وكتاب النثر الفني - أو النثر الفني في القرن الرابع إذا لم يختصر اسمه - بحث قدمه الدكتور زكي مبارك لينال به الدكتوراه من جامعة باريس، ولم يجد سبيلاً إلى جديد يقدمه في بحثه إلا أن يبدي ويعيد وينقص ويزيد في تاريخ اللغة العربية وآدابها، وتاريخ الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها، ليثبت أن نشأة النثر الفني جاهلية لا إسلامية. والنثر الفني الذي يريد ليس هو نثر الخطب والأمثال والمحادثة، ولكن نثر الرسائل والكتب. فهو يزعم أن العرب في جاهليتهم كانوا يكتبون الرسائل ويؤلفون الكتب، ودليله في هذا (أن القرآن يشير إلى أنه كانت هناك كتب دينية وأدبية لم يطلع عليها النبي عليه السلام حتى يتهم بأنه لفق القرآن مما نقل إليه من علوم الأولين) ذاكراً آية سورة العنكبوت (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذن لارتاب المبطلون) التي جعلها من سورة القصص. واحتج عليه المسيو مرسيه، فيما حكى في كتابه عنه وعن نفسه، بأنه لو كانت هناك مؤلفات نثرية لدونت وحفظت ونقلت إلينا كلها أو بعضها كما هو الشأن في آثار الهند والفرس والروم، فأجابه (بأن فقدان تلك الآثار لا يكفي لإنكار أنه كان لها نصيب من الوجود، ثم زاد زكي مبارك بعد ذلك (على أن في القرآن الكفاية وهو أثر جاهلي كما سنبينه بعد قليل)
وقد أنفق هذا القليل في إنكار أن تكون النصوص النثرية المروية عن العصر الجاهلي صحيحة زاعماً أنها (مما وضع في العصر الأموي وصدر العصر العباسي لأغراض دينية وسياسية) فأنكر مثلاً خطبة قس بن ساعدة الأيادي في قوله: (وهي الخطبة التي زعم الرواة أنه تنبأ فيها بظهور الرسول، وهي بلا شك خطبة وضعت لإيهام الجمهور أن نبوة محمد كانت مما يجري على ألسنة الخطباء الموفقين من أصحاب الحكمة في عهد الجاهلية) وبعد أن مضى ينكر وينفي ويتهم بغير دليل قال (فكيف يستقيم مع ذلك ما نراه من أنه كان للعرب نثر فني قبل الإسلام؟ فليعلم القارئ أن لدينا شاهداً من شواهد النثر الجاهلي يصح الاعتماد عليه وهو القرآن) ص ٣٨، ثم عقب على ذلك بقوله: (ولا ينبغي الاندهاش من