لقد رأينا كيف ذهب العلماء الإنجليز في القرون الوسطى إلى أسبانيا وصقلية لتلقي العلوم من العرب، وكيف نشروا ما اكتسبوه من عودتهم إلى إنجلترا. وسنتطرق الآن إلى تطوير جديد في الدراسات العربية، وهو ظهور ما ينبغي أن يسمي أوائل المستشرقين بالمعنى الذي تؤديه كلمة الاستشراق في العصر الحاضر. فقد حدثت تغيرات كبيرة في خلال السنين التي مرت على الزمن الذي مر بين الدور الذي درسناه في حديثنا السابق، والدور الذي سنأتي إليه الآن. فتقدمت أوربا تقدماً ذا شأن في العلم والمعرفة، وفقد العرب تفوقهم القديم، ولم يعد من الضروري للدارسين من الأوربيين أن يتطلعوا إلى مدرسين من العرب، ليتلقوا منهم العلوم العامة، وأخذنا نشاهد نوعاً جديداً من الاستشراق، وهو ذلك النوع الذي يعتبر أساً للاستشراق الحديث؛ فقد أخذ الباحث الإنجليزي يدرس العربية لا لتحصيل ما يمكن أن يأخذه من العالم العربي من فلسفة وعلم، بل من أجل الثقافة العربية نفسها. وللمرة الأولى شرع الإنجليز في دراسة اللغة العربية والآداب العربية دراسة جدية. وكان عملهم - كعمل المستشرقين المحدثين - ذا نفع للعرب بقدر نفعه للفرنك، وهو ينطوي على جمع القواميس العربية والنحو والصرف ونشر المخطوطات العربية - قبل أن يتم طبعها في الشرق بزمن طويل - والبحث العلمي في تاريخ العرب وآدابهم، وغير ذلك من مظاهر النشاط التي تدخل في هذا المضمار. وقد بدأت هذه الحركة في القرن السابع عشر، وفي هذا القرن أنشئ منصب أستاذية اللغة العربية في جامعتي أكسفورد وكامبردج؛ وأخذ الأساتذة الإنجليز يدرسون اللغة العربية لعدد من المتشوقين لها من الطلاب، وطبعت أوائل الكتب العربية في إنجلترا. وعلينا أن نأتي بشيء من التفصيل لحياة بضعة أفراد من ذوي المشاركة في هذه الأعمال:
إن الرجل الذي يعرف بصورة عامة بأنه (أبو الدراسات العربية) في إنجلترا هو (وليم