دار الحول واقتربت الساعة التي أوشكت أن تكون موعد لقاء منظور، وقد كانت عندك أفجع فراق مرهوب
مضت ثلاثة أعوام على تلك الليلة التي ناديتني فيها لتبلغني كلمة واحدة لم تزد عليها، ولكنها لا تحتمل الزيادة، لأنها وسعت من التعبير عن آلام نفسك - أيها الصديق العزيز - ما تضيق به المعجمات والأسفار
ويخيل إلي أنني أسمعها الساعة كما سمعتها منذ ثلاثة أعوام، لأن للكلمات أرواحاً تعيش وتموت، وأعماراً تطول وتقصر، وقلما تموت كلمة مرهونة بألم طويل العمر، مديد البقاء
تعودت يا صديقي وطبيبي أن أطرق جرسك في هدأة الليل لأعوذ بعلمك وطبك في أمري وأمر الأعزاء عندي، ولكنني لم أسمع صوتك يطرق سمعي في هدأة الليل إلا هذه المرة، ولم أسمع منك في هذه المرة غير تلك الكلمة الواحدة. ولكنها الكلمة التي جمعت فيها من ألمك ما لم أجمعه في مئات الكلمات
ماتت!
ولا حاجة بعدها إلى مزيد
وليس من عادتي أن أقحم العزاء على المفجوعين في ساعة الفجيعة الدامية، لأنني أحسبه اجتراء على قدس الأحزان لا خير فيه، ولكنه صوت سمعته لابد له من جواب تسمعه غير الصمت والسكون. . فقلت كأنني لا أعلم ما أقول:
(إنك رجل يا دكتور، ولن تنفعك الرجولة في مقام بعد اليوم إن لم تنفعك بالصبر الجميل في هذا المقام)
نعم يا صديقي، ويا طبيبي!
إنك رجل ذو عزيمة وجلد وإباء. صبرت على الأهوال في بلاد الأهوال، وصحبت الحرب الماضية في البلاد التركية وفي بلاد أوربا الوسطى وأوربا الشرقية يوم كانت تلك البلاد موارة بالخطوب والقلاقل، سوارة بالفتن والزلازل، تصبح في حال ولا تمسي عليه،