عشقتها منذ أن عاش جسمي بين يديها أربعا وعشرين ساعة في الخريف الماضي كذرة من رمالها في وهج ظهيرتها، وأفياء آكامها، وطَفَل أصائلها، وأشباح دياجيها، ورهبوت عوالمها. . . ومنذ أن لمست يدا قوية من طبيعتها تمتد إلى قلبي فتضربه بشعلها وتعصره برهبتها، وتحمله في أجوائها مع الهبوات، وتسقيه من آلها وسرابها أمواجاً تظمئ ولا تروي، وتتلف ولا تسعف، لأنها أحلام الأرض الظامئة والأكباد الحرَّى. .
واستقبلت العودة إليها في ظرف موات استقبال المتطلع إلى عالم مسحور ناطق بالصمت محيِ بالموت، مثير بالهدوء، منظر بالشوك، مُروٍ بالجفاف مؤنس بالوحشة، يضج القلب فيه ضجيج الدنيا وإن صمت هو صمت الآخرة، ويحوم الفكر فيه حول العقدتين: الأزل والأبد، فتختلط الحواس ويتداخل فعلها فتسمع العين وترى الأذن وتلمس الأضواء والألوان!
سلام عليك أيتها الذرات المتشابهة الراقدة على مهاد الأزل حالمةً بالنقلة على جناح الرياح إلى عوالم الأنهار والأزهار والحيوان. . سأمانة من طول الرقاد على بساط الديموم، تمثلين العقم والبساطة والصورة الأولى للأجسام. . . تنظرين إلى الذرات العليا المضيئة الدائرة في فضاء ربي والراقدة أيضاً على صدر الفراغ. . تحلم بالقرار كما تحلمين أنت بالانطلاق والفرار. .
في قلبي ذرة صغيرة معربدة لذاعة وددت لو استحالت إلى جمودك! إذن لأراحت واستراحت من روح الحياة. . إنها ذرة تحلم بالرياح كما تحلمين. فهي ثائرة تريد الانطلاق من ضيق المكان. . وهي دائبة عن ذلك حتى يفنى الزيت من السراج، وتخمد الوَقْدة التي وضعت شرارتها يد الله في ذراتي الأولى!
نحن ركب مسيرون لا سائرون أيتها الذرات. . مسيرون بعواصف خفية فهي أهول، مكبوتة فهي أعنف، متنافرة فهي أسرع في تحطيمنا ونقض بنائنا. فلا إرادة ولا خيرة في النقلة وإنما هي رياح من نوع آخر، وما أكثر جنود ربي!
سألتُ: كم مضى من دهرك أيتها الديموم. . .؟ فأجابت: طفلة أنا لا أعي دورات الفلك، ولا أشيخ على الدوام. . . وإنما تقاس الأزمان وتعرف الأعمار بجفافٍ في ورقة، أو تجعيدةٍ