دار الرسالة - وبفضل الله - ملتقى مفكري الإسلام العرب وغير العرب، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، يزورونها أول ما يزورون من معاهد الثقافة بالقاهرة، فنتناقل الحديث ونتذاكر الرأي في موقف المسلمين اليوم من قراع المذاهب، وصراع القوى، واهتلاك الدول في التسلح بالعلم والدعاية والعدة، واحتفاز الأمم في التقوى بالتعلم والعمل والإنتاج، فنتبين من وراء الحديث أن الإسلام في غير بلاد العرب خلط عجيب من العقيدة السالفة، والصوفية الزائفة، والأساطير الموروثة، والتفاسير الخاطئة؛ ثم استحال هذا الخلط على تراخي الزمن وانقطاع الصلة واستعجام اللسان إلى مُر قد يعوق عن السعي، ويمنع من النظر، ويصد عن الفكر، ويذهل شاربيه عن حركة الوجود وسير الفلك. فالمسلمون في ألبانيا ويوغسلافيا من بلاد المغرب، وفي الصين وجزائر الهند من بلاد المشرق، يتميزون عن مواطنيهم بزهادة كالبلادة، وجهالة كالموت، وتوكل كالتواكل؛ ويتوهمون أن الإسلام ليس من شأنه الدنيا، وأن المسلم ليس من همه المادة، وأن ما هم فيه من رنق العقيدة وظلام الفكر وخدر الشعور إنما هو روح الدين ورضا الله وطريق الجنة. ثم لا يعدمون أن يجدوا مصدقاً لما يزعمون فيما يقرءون من الأحاديث الموضوعة والأخبار المصنوعة والأقوال الملفقة. فإن من محن الإسلام حين ضعف أهله وزال سلطانه، أن امتزجت به كل نحلة، وسرت إليه كل علة، وتراءت فيه كل حالة؛ فكل امرئ واجد فيه ما يلائم استعداده ويناسب فهمه. وإذا كان حاصلاً بين العرب وهم أصحاب الدين وأهل اللغة، فما ظنك بغيرهم ممن بلغتهم الدعوة مترجمة عن طريق الفرس أو عن طريق الترك بالتجارة أو بالفتح؟
لقد عصفت بالعالم كله عواصف هوج من السياسة والاقتصاد فلم تدع
فيه ساكناً إلا حركته، ولا بالياً إلا جرفته؛ وكان لابد للعالم الإسلامي
أن يهب على دوي هذه الزعازع، فنهض شبابه يستعدون بعدة الناس،
ويتجهزون بجهاز العصر؛ ولكن شيوخه الوانين أخذوا يعوقونهم عن