الأهبة والسعي بكلام ينسبونه إلى الله والله منه برئ. ثم كان من أثر
تلك الهبة العامة وهذه الحالة الخاصة أن نفر من كل قطر من أقطار
الأرض طائفة من شباب الإسلام إلى مصر ليتفقهوا في الدين ويتضلعوا
من اللغة وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، فيكونوا شهادة صادقة لحقيقة
الإسلام، وقدوة صالحة لنهضة أهله.
ومصر اليوم وقبل اليوم هي بفضل الأزهر موئل اللغة ومعقل الدين ومشرق الهداية. والأزهر على الرغم مما يؤخذ عليه هو بفضل ما مكن الله له في التاريخ، وهيأ له من الموضع، وأتاح له من المال، أقدر على تبليغ الرسالة العظمى، وتوجيه الأمة الكبرى، وتصحيح العقيدة العليا، إذا صدق رجاله الجهاد، وأخلصوا النية، وأحسنوا العمل، وذكروا أنهم جنود الله يرمي بهم العدو في كل وقت وفي كل أرض وفي أي صورة، فيعيشون للموت كالجند، ويعملون للحياة كالقادة، ويعزفون عن الدنيا كالرسل. والإمام المراغي هو في رأينا خير من يضطلع بما يفهم المثقفون من رسالة الأزهر إذا لم ينله ما نال الأستاذ محمد عبده من اضطراب الريح حول مصباحه، وانبثاث العوائق الخازلة أمام إصلاحه؛ فإنه من أفهم الناس لمعنى الدين وروح العصر ومقتضى الحال.
ورسالة الأزهر التي يريدها الله ويرجوها الناس هي:
١ - تنقية الإسلام من العقائد الواغلة والمذاهب الباطلة والعادات الدخيلة. وسبيل ذلك أن يفسر القرآن على هدى الرواية الصحيحة، وفي ضوء العلم الحديث، تفسيراً يجمع بين ما صح من أقوال السلف، وما صلح من آراء الخلف؛ ثم يؤلف في الحديث كتاب جامع لما لا ريب فيه من الكتب الصحاح، ويستعان على شرحه وتبويبه بعلوم التاريخ والاجتماع والأخلاق والفلسفة؛ ثم يصنف في الفقه كتاب شامل على المذاهب الصحيحة يوضع متنه مواد كالقانون، ثم يشرح شرحاً فنيا يستوعب أصوله، ويستقصي فروعه، في غير حشو ولا استطراد ولا تعمية. ثم تكون هذه الكتب الثلاثة المطولة مادة الدراسة ومرجع القضاء ومصدر الفتوى؛ فتقرر في الأزهر، وتنشر في الجمهور، وتترجم إلى أكثر لغات الشرق وأشهر لغات الغرب؛ ثم ترسل إلى كل بلد يعرف الإسلام أو يريد أن يعرفه. أما ما عدا