(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. .)
للأستاذ محمود الخفيف
- ١٧ -
حربه على القساوسة:
اعتزل ملتن الشعر إلى حين لعله ظنه قريبا، فلم يدر بخلده أن هجران احب شيء إلى نفسه سوف يمتد عشرين عاماً. والحق أن اعتزال ملتن الشعر والأدب على ما كان من فرط تحمسه له وانكبابه على الأخذ باسبابه، امر يحمل المرء على العجب الشديد بادئ الراى، ولكن دواعي العجب لا تلبث أن تزول إذا عدنا إلى خلق ملتن ونزعات وجدانه
خلق ملتن محاربا يحب النضال ويعشق بفطرته الحرية، فلن يستطيع إن يغمض العين عما يرى من خلل أو فساد، ولن يستطيع أن يظل جامداً تلقاء ما يراه ظلماً أو استبداداً بالرأي في غير حق ولو كان في ذلك هلاكه؛ كذلك رأيناه وهو بعد طالب بالجامعة، وكذلك رأيناه وهو يفصح عن عقيدته الدينية في إيطاليا، وكذلك نراه اليوم يوقد نار الحب على القساوسة أو خلق ملتن ديناً تقياً مخلصاً لعقيدته تواقاً إلى الإصلاح، لذلك ركن إلى البيوريتانز في كثير مما ذهبوا أليه، وإن خالفهم في إسرافهم في التزمت ومغالاتهم في النفور من الفنون ومن طيبات الحياة وكانت روح البيوريتانية يومئذ، أو ما يهجس في نفوس أشياعها من الرغبات هو إصلاح الكنيسة كما أصلحت الكنائس في القارة وتقرير مبدا الحرية الفكرية والسياسية، وقد استقرت هذه الرغبة في نفس ملتن وآمن بها أيمانا قوياً واعتقد ملتن كما اعتقد جمهرة البيوريتانز ان القساوسة في انجلترة بتعصبهم لنظام الكنيسة وبمظاهرتهم الملك في عناده وطغيانه هم العقبة الكؤود في سبيل الإصلاح وفي سبيل الحرية؛ لذلك أيقن طالبو الإصلاح أن لا أمل لهم في عمل مجد ألا أن يقضوا أولا على الأساقفة وسلطانهم،