منذ أن عرف الإسلام طريقه إلى بلاد النوبة، أشرق في قلوب أهلها، إشراق الشمس تبدد حلكة الظلام وأضاء أفئدتهم، وأفهمفم معنى الوطنية الصادقة، وأنها ليست كلمة تلوكها الألسنة، ثم لا يكون لها بعد هذا أثر يذكر، أو خبر يذاع وينشر، أو عمل تدفع إليه النفس التواقة إلى المجد، والمستطلعة إلى العزة، والسيادة والعظمة،
ويفهم هذا المعنى السامي، بدأ الامتزاج الحقيقي في جميع نواحي الحياة، والمشاركة في أسمى أهدافها، وأنبل غاياتها، وعلموا أن المصريين إخوانهم في الدين، وشركاءهم في العقيدة. والاتجاهات والميول، لا يكادون يختلفون في ناحية من النواحي، أو شأن من الشئون. . . وأن التزاوج والإصهار، ومبادلة المنافع، والمشاركات الوجدانية بين الأفراد، كل أولئك لاشى الفروق، وكان دليلا عمليا على فهم النوبيين لحقائق الدين، وإدراك دقائقه، وأسراره التي تخفي على كثيرين من أبناء وطننا العزيز. . .!!
ومنذ هذا الوقت حمدت في نفوسهم عاطفة التناحر والتواثب، وزالت الرغبة في السيطرة والاعتداء، وتلاشت روح الكراهية والعداء، فأخلدوا إلى الهدوء والسلام، وجنحوا إلى الطمأنينة والاستقرار، وأيقنوا أن الامتزاج بينهم وبين المصريين أمر واقع لا شك فيه، عن إخلاص ونقاء، وحب وصفاء، وليس حديث خرافة أو خيال.
ومن هذا الحين تجلت عواطف النوبيين نحو مصر، سامية نبيلة، كلها الحب الذي لا يعرف البغض، والإخلاص الذي لا يعرف الرياء والمكر، أو النفاق والخداع،
وما أروع النوبي حين يخلص، وهو دائما المخلص الأمين، الذي يحترم العلائق، ويقدس الروابط والوشائج، ويرعى العهد والزمام.!
ومن هذا الحين كذلك استفادت مصر من جهود أبناء النوبة الذين ساهموا جدياً في بناء النهضة المصرية الحديثة، مدفوعين بوازع من ضمائرهم الحية، ودافع من إيمانهم العميق.
وقد اعتمد محمد علي باشا على النوبيين في تكوين الجيش الأول، كما يقول سمو الأمير المرحوم عمر طوسون في كتابه: صفحة من تاريخ مصر. إذا كانت الفرقة السادسة المسماة