بالإفريقية، تتركب من جنود نوبيين، وجنود سناريين، كانوا عماد النصر، والظفر في شتى الميادين، ومختلف النواحي.
وكم شهدت بلاد النوبة بفخر عظمة الجيش المصري الحديث، أيام الخديو إسماعيل باشا سنة تسع وسبعين وثمانمائة وألف ميلادية. . . ذلك الجيش الذي درب أحسن تدريب، ونظم خير نظام، ولم يفت في عضده صحارى بلاد النوبة الرحبة وفيافها الجدباء، فكان العتاد الحربي ينقل على ظهور الجمال، ومتون السفن الشراعية والتجارية، حتى يصل إلى مديرية خط الاستواء، التي فتحها المصريون بدمائهم، وبذلوا في سبيلها أرواحهم رخيصة هينة، ويريد الإنجليز الآن انتزاعها ظلما وغدراً باسم العدالة والديمقراطية. وكم باسم الحق تراق الدماء، وتزهق الأرواح باطلا وزوراً.
وقد لعبت بلدة كرسكوا، وهي في منتصف الطريق بين الشلال وحلفا تقريباً، دوراً هاماً أيام إسماعيل باشا، إذ كانت تصل إليها المعدات والعتاد الحربي، ثم ينقل هذا كله على ظهور الإبل إلى بربر والخرطوم.
وقد شهدت توشكي - وهي بلدة قرب حلفا - أهم حوادث الثورة المهدية سنة تسع وثمانين وثمانمائة وألف ميلادية، حين حاول عبد الرحمن ولد النجومي غزو مصر، طامعاً فيها، راغباً في الاستيلاء والسيطرة عليها، فخرج من دنقلا في مايو سنة تسع وثمانين وثمانمائة وألف ميلادية، في جيش لا نظام له، على الرغم من كثرة عدده، وكانت الحكومة المصرية عالمة بحركاته، إذ كان سردار الجيش المصري حينذاك رجلا اشتهر بالحكمة والروية، والحنكة وبعد النظر. ووقعت مناوشات بين الجيشين قرب حلفا، وما كاد يصل جيش السودان توشكي حتى التحم المقاتلون، واشتد القتال، وحمى الوطيس. وتمكن الجيش المصري من القضاء على عبد الرحمن ولد النجومي، ومعظم جيشه.
وسر بذلك الخديو توفيق باشا، فأرسل إلى السردار تهنئة بهذا النصر، وأقيم مقام عظيم في توشكي ضم جميع من مات من الجيش المصري، ونقش فوقه باللغة العربية حفراً:
(شيد هذا الأثر تذكاراً لواقعة توشكي التي حصلت في ٦ من ذي الحجة سنة١٣٠٦هـ، وانهزم فيها جيش العصاة السوداني المرسل تحت إمرة عبد الرحمن ولد النجومي. فشتتوا بعد قتل أميرهم. . وفي هذا القبر دفنت جثث العساكر المصرية الذين استشهدوا وهم في