التفت أخونا الأستاذ الزيات فرأى العام الجديد لا يخيفه إلا من ناحية (استحكام أزمة الورق ومواد الطباعة وارتفاع أثمانها إلى عشرة أضعاف)، فتوكل على الله وقرر أن (الرسالة ستستمر على نظام العام السابق من التخفيض والتقسيط والإهداء مع المشتركين القدماء؛ أما المشتركين الجُدد فيردون الاشتراك كاملاً، مقسّطاً أو غير مقسّط). وبهذا ظهر (امتياز) الصديق القديم على الصديق الجديد!
والتفتّ فرأيت العام الجديد يخيفني من ناحية غير تلك الناحية، فأنا لا أشكو غلاء الورق ولا ارتفاع مواد الطباعة، بعد أن أرجأت النظر في طبع مؤلفاتي الجديدة إلى أن تنتهي الحرب؛ وإنما أشكو غلاء العواطف وارتفاع أثمان الصدق إلى ألف ضعف لا عشرة أضعاف.
وما ظنّكم بزمان لا يبرع شعراؤه في غير الحديث عن (الرغيف)، كالذي ترون من يوم إلى يوم في بعض الجرائد والمجلات؟
ما ظنُّكم بزمان يعدّ فيه الحديث عن أحلام القلوب ضرباً من الفُضول؟
إن هذه المحنة العاتية هي الفرصة لاختبار ما عند أدبائنا من عناصر الثروة المعنوية، فيها نعرف ما عندهم من أرزاق الروح والذوق والوجدان.
أيكون الكلام عن (الرغيف) تودداً إلى أهل البطون، وهم ألوف أو ملايين؟
إن كان ذلك فأين الأريستوقراطية الأدبية وهي تسمو على الحاجيات اليومية؟
أيكون الكلام عن الرغيف فرصة من فرص القول يهتبلها من لا يصل إلى بعض الجرائد والمجلات إلا بعناء؟
إن كان ذلك فأين تصوّن الأديب عن الكلام المبذول؟
سمعت - بل علمت - أن مدرساً في (قنا) أرسل إلى جلالة الملك برقية يشكو فيها انعدام الرغيف، فماذا وقع من الخطر حتى يجوز مثل هذا الصراخ؟ وماذا نصنع لو أصبحت بلادنا وهي ميدان حرب، وقد تصير كذلك إذا طال استمراء المتحاربين لما اندفعوا إليه من استطابة الجنون؟