للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من صور الحياة

قصة مجرم

للآنسة نعيمة المغربي

انعقدت محكمة الجنايات للنظر في قضايا مختلفة ومنها جناية قتل اتهم فيها فتى طيب الأحدوثة لم يسبق له الإجرام. وظهر من التحقيق أن الجناية لم تقع بقصد السرقة، إذ أن خاتم القتيل الماسي وساعته الذهبية - وهو كهل غني - وأشياء أخر ذات قيمة لم يمسها القاتل، مع أن المجال كان فسيحاً أمامه لسرقتها والاختفاء بها، وإنما اكتفى القاتل بما فعل واللجوء إلى مسكنه الذي كان قريباً من محل الحادثة والذي كان يأوي إليه مع أمه المقعدة، وقد قضت المسكينة نحبها حينما قبض الجند على ابنها من غلبة الخوف والرعب عليها.

ذلك ملخص خبر الجناية التي شغلت أهل المدينة وخاصة سكان الحي الذي وقعت فيه الحادثة وكانت موضع سمرهم لا أسفاً على القتيل الذي عرف بعتوه وصلفه وشحه، بل شفقة على القاتل الذي عرفوا فيه الفتى الحسن الخلق، يكد ويشتغل لينفق على أمه البائسة التي لم يك لها من عائل سواه. لذلك كله امتازت هذه الجلسة بوفرة عدد المستمعين فيها، وكلهم مشفقون على القاتل راثون له.

ظهر في قفص المتهمين شاب لا يتجاوز العشرين من عمره، نحيل الجسم غائر العينين لا تظهر عليه علامة من تلك العلامات التي يمتاز بها المجرمون، بل كان بادي الانكسار هادئ النظرات مستسلما لخواطر تجول في رأسه وأحاديث تهجس في نفسه. وبعد سماع شهادة الشهود ومرافعة النيابة ومحامي الدفاع سأله الرئيس الأسئلة المعتادة التي تلقى على المتهمين وطلب منه إذا كان عنده ما يدافع به عن نفسه. وهنا أرهف المستمعون آذانهم وتطاولوا بأعناقهم حتى لا تفوتهم كلمة من قصة ذلك المجرم البائس قال:

إنني إذا سردت قصتي فأنني لا أسردها بغية الدفاع عن نفسي أو حباً في الحياة فقد سئمت العيش واستولت علي النفرة من الناس، بل لتعلموا أنني فرد من أفراد المجتمع البشري قدر عليه أن يعيش عيشة ضنك وشقاء ويحيا حياة مليئة بضروب الألم والعذاب، وكنت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>