قرأت مقال الأستاذ محمد محمود رضوان في العدد الأخير من الرسالة الغراء؛ وقد تصدى فيه لاحتمال ما تركه الأستاذ الكبير (ا. ع) من سوق الأمثال لمواضع النقص في شعر الشباب. وعجيب من الأستاذ رضوان أن يتنصل من طابع الشباب مبكراً، ويحاول أن يقود الحملة على شعر إخوانه الشبان! على العجب قد يقل أو يضمحل إذا علمنا أن الأستاذ قد خلص من متاعب العام الدراسي، واستقبل فترة الراحة والاستجمام، فهو يأبى أن يدع الطير في أوكارها، ويرمي بسهامه هدفين من زملائه، ويمعن في البأس والتحدي فيرمي غرض ثالث بعيد!
لقد أخذ على الأستاذ طاهر أبي فاشا ميله إلى شكوى الزمان، ورأى
في ذلك اللون من الشعر تناقضاً مع ما يعرفه عن (طاهر) من
الدعابة. . . وفاته أن الشاعر يعلم من أسرار نفسه أكثر مما يعرفه
خلطاؤه! فقد يهزأ بالحياة ظاهراً، ويخوض عبابها مع الخائضين، حتى
إذا بلغ منه يأس الزمان، نفس عن نفسه، وسجل على الحياة عدوانها،
وهو في كل ذلك فطري النزعات، لا يمت إلى التناقض بسبب، وإنما
هو الشاعر: يسخر حيناً، ويجد حيناً:
أعاتب نفسي أن تبسمت خالياً ... وقد يضحك الموتور وهو حزين!
ومن ينكر على الأستاذ (علي شرف الدين) غرامه بشكوى الزمان، وهو الشاعر الأبي النفس، الذي قعد به حظه العاثر، وسلك إلى غايته السهل والوعر، فلم ينل من الحياة ما يرضى نفسه الطموح! وهل يؤخذ على قصيدته الرائعة أنها قوية النسج، جزلة الأسلوب، موحدة الفكرة، وتلك صفات نلتمسها في كثير من الشعر فلا نظفر بها؟ أفيصح بعد هذا أن ننظر إليها على أنها من الشعر القديم؟! لقد ظلمتم شعراء الشباب! إذا أخطئهم النسج القوي، وصفتم شعرهم بالسخف والفتور، وإذا راعكم منهم البيان الجزل قلتم: هذا من الشعر القديم!