لا شك أن (هنري وودسورثو لونجفلو) الشاعر الأميركي النابه غني عن التعريف إلى قراء الإنجليزية، وأن قصته الشعرية (ايفانجلين) تعد في طليعة الآثار الأدبية الخالدة التي خلفها، وخدمة لمن لم يقرأوا هذا الشاعر العبقري رأينا أن نكتب هذه النبذة عنه فنقدم لهم بذلك أحد الشعراء العالميين الذين يقدمهم الشعب الأميركي.
ولد (لونجفلو) في ٢٧ فبراير في سنة ١٨٠٧ في مدينة (بورتلاند) في ولاية (مين) وقضى طفولته وصباه في بيت واقع في شارع (الكونجرس) ما زال إلى الآن محفوظاً على حاله الأولى عندما كان يعيش فيه الشاعر العظيم. ويحج إلى ذلك البيت آلاف من الناس الذين يذهبون إلى (بورتلاند) في كل صيف، ويدخلون إليه للتفرج على كل غرفة من غرفه، وعلى مطبخه الذي ما زالت الأواني الثقيلة مبعثرة على مواقده منذ مائة عام ونيف. ثم يصعدون إلى غرفة في الدور الثالث ليروا السرير الخشبي الذي كان ينام عليه (لونجفلو) ويطلوا من النافذة التي كان يرى منها المنارة الموصوفين في إحدى قصائده.
وكانت (بورتلاند) مدينة موافقة لفتى له روح (لونجفلو) الحساسة الرقيقة، إذ كانت شوارعها الطويلة المظللة بالأشجار الوارفة، وأحراجها المكتظة، وشاطئها الشعري الهادئ ميداناً خصباً لخياله الواسع.
كان (لونجفلو) في السادسة من عمره عندما عاد من المدرسة يوماً وناول والده شهادة - لم تزل محفوظة للآن - كتبت فيها معلمته بأنه تلميذ مجتهد وأخلاقه قويمة. وبعد ذلك بسبعة أعوام عندما كان في الثالثة عشر من عمره كتب قصيدة يصف فيها إحدى المواقع المشهورة بين الأميركيين والهنود الحمر. وكان على ثقة تامة بأنها جديرة بالنشر، فاستجمع شجاعته ورماها في صندوق إحدى الجرائد، ولكن رئيس تحرير تلك الجريدة لم يوافقه على رأيه فكان نصيبها سلة المهملات. فما كان من الشاعر الصغير، وقد جرحت كبرياؤه، إلا أن أرسل القصيدة إلى جريدة منافسة فنشرتها. وقد قال بعد سنين عديدة بأن الشعور الذي استولى عليه عندما رأى أول شعر له مطبوعاً لم يعاوده بعد ذلك لدى نشر أي شعر