للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخر.

وكانت حياته المدرسية بعد ذلك نجاحاً مضطرداً وتفوقاً يثير الإعجاب. وعندما أتم علومه في جامعة (بودوان) راح يلتمس من والده إرساله لقضاء سنة في جامعة (هارفارد) واعترف له بما يجول بخاطره من آمال قائلاً: (الحقيقة يا والدي هي أنني أطمع في مستقبل أدبي حافل. إن نفسي لتتحرق شوقاً إلى ذلك) ولكن والده نصحه بأن يفكر في صنعة تكفل له عيشه غير صنعة الأدب. وأرغم الشاب على النزول على إرادة والده والعمل بنصيحته، فدخل كلية الحقوق. ولكن أحد المفتشين سمعه مرة يلقي ترجمة لمقطوعة من أصعب آثار (هوراس) فأعجب به، وعندما كانت الإدارة تفكر في إدخال فرع جديد للغات الحديثة في برنامج الجامعة وقع اختيار ولاة الأمر على (لونجفلو) ليكون أستاذاً لذلك الفرع، ولما يتخط عامه التاسع عشر، ولكنهم اشترطوا عليه أن يمضي ثلاث سنوات في أوروبا فيدرس لغاتها ثم يعود. ووافق والده على تزويده بالمال الكافي للقيام برحلته، وأبحر الأستاذ الشاب إلى أوروبا بقلب مفعم حياةً وأملاً، فقضى ثلاث سنوات متنقلاً بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وإنجلترا، فدرس لغاتها وأحوال أهلها وطرق تفكيرهم، ثم عاد ليقوم بأعباء منصبه بنشاط وحماس، ويتقاضى تسعمائة دولار في كل شهر (وهذا المبلغ كان يعد ثروة في ذلك الحين).

لم يكن تدريسه في جامعة (بودوان) وإدارة مكتبتها ليعوق (لونجفلو) عن الكتابة شعراً ونثراً، فواصل جهوده في النظم والتأليف، ولكن كتاباته اقتصرت إلى حد ما على الموضوعات التي كان يدرسها.

وثبت اسم الشاعر في عالم الشهرة حتى أن إدارة جامعة (هارفارد) طلبت إليه أن يتولى رياسة فرعها للغات الحديثة عندما استقال أستاذها. فقرر (لونجفلو) القيام برحلة ثانية إلى أوربا استزادة في درس اللغات والآداب. وعندما كان في هولندة وصله نعي امرأته فواصل أبحاثه بقلب مثقل بالهم والحزن.

وهنالك نادرة تحكى عنه عندما عاد من أوروبا ليتولى عمله في (هارفارد)، وكان في الثلاثين من عمره، ولكن هيئته لم تكن لتدل على ذلك، فذهب إلى (بنسيون) ليستأجر غرفة فيه، فنظرت إليه صاحبة (البنسيون) من رأسه إلى قدمه وقالت له: (أنا لا أقبل تلامذة

<<  <  ج:
ص:  >  >>