احتل الإنجليز البلاد المصرية في عام ١٨٨٢م فبدأ بذلك عهد جديد أخلد المصريون فيه إلى الهدوء والسكينة، وأخذت الحالة المالية تتحسن يوما بعد يوم، فعم الرخاء واستتب الأمن وانتشرت الطمأنينة وساد العدل وسارت البلاد في طريق التحضر بخطى واسعة. وأقبل المصريون على التعلم فكثرت المدارس والمطابع والصحف والمجلات. وراجت سوق الكتب، وجد الناس في طبع الكتب القديمة وترجمة روائع الأدب الغربي، وشعر الجميع بعجز اللغة العربية وقصورها عن مسايرة النهضة العلمية الحديثة. ففكروا في إصلاحها واختلفوا في طريقة الإصلاح. وقد ظهر أثر تلك الحركة عند الشعراء، فنظم حافظ إبراهيم قصيدة على لسان اللغة العربية قال فيها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
ثم أخذ الروح الوطني في الظهور والنمو حتى جاء مصطفى كامل فالتف حوله الشبان والشيوخ، وازدهرت الصحف الوطنية وجدت في مهاجمة المحتلين. وساهم الشعراء في تلك الحركة فنظموا القصائد الحماسية في تحريض الوطنيين على الجهاد والكفاح، وفي هجاء الإنجليز وكل من يتعاون معهم من المصريين، وكان لورد كرومر - وهو أول معتمد بريطاني في مصر - قد وضع في يديه مقاليد الحكم يصرف الأمور كيف يشاء وفقا لمصلحة المستعمر التي لم تكن متفقة مع ما يصبو إليه المصريون من الرغبة في الاستقلال والتمتع بالحكم النيابي، ونشر التعليم بجميع أنواعه بين أبناء البلاد والظفر بحرية الصحافة والخطابة وغيها من أنواع الحريات. لذلك أضحت سياسة لورد كرومر التي لم تتمش مع هذه الرغبات الوطنية موضعاً لهجوم شديد، ونقد عنيف من الكتاب والشعراء. ونظمت في عصر ذلك الرجل كثير من القصائد الفياضة بالعواصف الوطنية