رأينا فيما عرضنا له من وطنية شاعر الطليان أنه كان يخلق المناسبات ليصدع بشعوره نحو بلاده ووطنه، فيحاور شخصيات وايته في جرائمهم الوطنية، ويتخيل لهم من صنوف العذاب ما تقشعر لهوله الأبدان، وفي الحق أن وطنية دانتي ملكت عليه كل نفسه، وسأقص عليك حديثاً طرز به كوميدتيه، فكان حليتها وزينتها، وسأعرض عليك تلك الأنشودة لتعلم أي حد بلغت به وطنيته، وأي مقدار بلغه النزاع والفشل بين الطليان في عهده، وكم برح بهم الظلم، وهدت من أركانهم الفوضى، ثم تقرن حالهم بالأمس بحالهم اليوم لتعلم أن الأمم تسقم وتبرأ، وتضعف وتقوى، فلا يخالج اليأس نفسك، ويمتد بك الأمل فتوقن باليوم الذي تتبوأ فيه بلادك مركزها تحت الشمس مستعيدة عصر صلاح الدين، وأيام رمسيس.
فبينا دانتي يجوب (الأعراف) مع فرجيل إذا بروح نبيل يرمقهما ملياً، ثم يسألهما قائلا: من أنتما أيها القادمان؟ فيكون تعارف يعقبه عناق، وإذابهذا الروح روح الشاعر سوردلو مواطن فرجيل، ولم يكد يعرفه حتى انتحى به قليلا يحدثه، وبقى دانتي منفرداً يفكر في لقاء المواطن للمواطن، ومحبة ابن الشعب لابن الشعب. فثارت شاعريته، وصدح بما خلدته الأجيال، فقال:
(لك الله يا إيطاليا، أيتها الأمة الذليلة المستعبدة، يا موطن الآلام وميدان المظالم، لقد أصبحت وكأنك سفينة بغير ربان ينقذك وسط هذه الزوبعة، ويقودك إلى شاطئ السلامة وبر الأمان، إن هذه الروح الكريمة قد وقفت تحتفل بمواطنها بمجرد أن سمعت باسم وطنها، بينما أنت لا يستطيع أبناؤك الأحياء أن يعيشوا دون أن يتقاتلوا ويحارب بعضهم بعضا، وحتى أبناء المدينة الواحدة قد أخذوا يتخاصمون ويتنازعون!
أنظري أيتها البلدة التعسة الذليلة، وابحثي في كل بحارك وجبالك ووديانك وفي كل ناحية من نواحيك، فهل ترين جزءاً واحداً يتمتع بالسكينة والراحة والسلام؟ آه. إنك لو قيض الله