لك حاكما أو رئيساً حازماً لحسنت حالك، وهدأ بالك، ولكن القياصرة يعيشون بعيدين عن أرضك التي سيئول أمرها لا محالة إلى الخراب والدمار. إن روما تبكي وتستغيث بالإمبراطور، وكل بلاد إيطاليا قد امتلأت بالظلمة قساة القلوب، وفي فلورنسا أصبحت الأحوال أسوأ منها في أي مكان آخر؛ فقد تسن فيها القوانين ولا تلبث أن تلغي بين عشية أو ضحاها، وأصبحت كالمريض الذي ألح عليه الداء، وأعوزه الدواء، وأخذ يتقلب من جنب إلى جنب لكي يخفف من آلامه وعذابه دون أن يشعر بالراحة أو يذوق لها طعما).
أفرأيت إذا كيف كان دانتي حدباً على وطنه يندبه ويبكي انقسامه واضطرابه، وضعف قوانينه وتذبذبها بين الإلغاء والوضع كل عشية وضحاها؟
فلو أنه بعث الآن من مرقده ورأى بلاده اليوم وهي تنعم بالقوة وبالمنعة لقرت عيناه، ولرفأ مدمع كان هتاناً على وطن ملكت فكرته عليه كل شعاب نفسه.
الانتحار في الروايتين
كلا الشاعرين ذم هذا المرض الفتاك، وثار على ذلك الداء الوبيل؛ وما كان شاعر المعرة بالذي لا يعرض للانتحار: يهجنه ويزري به؛ فقد افتن في الزراية به بعبارة احتفل بها، وأسرف في احتفاله، فكانت جد غامضة ومبهمة. وما نحسب أن كثيراً من الأدباء يستشف غرض أبي العلاء دون أن يلحق به كبير من عناء ومن جهد. على أن في تهذيب الأستاذ كامل كيلاني لرسالة الغفران، وفيما حلى به جيدها من شرح وعنوانات، ما يجعل الطريق أمام روادها معبداً شائقاً إلى حد كبير.
ورغماً من أغراب أبي العلاء هنا فانك تراه جانف الخيال، وسلك سبيل الفلاسفة والحكماء؛ فجعل يبرهن ويعلل متخذاً من جهالة الإنسان بمصيره بعد الموت، ومن تقلبات الأيام وابتسامها بعد العبوس أدلة يهجن بها الانتحار، ويقبحه. وإني ذاكر لك شيئاً من قوله في ذلك، فاستمع إليه حين يقول: (قد كدت ألحق برهط العدم، من غير الأسف ولا الندم؛ ولكنما أرهب قدومي على الجبار، ولم أصلح بخلتي بأبار. وقيل لبعض الحكماء: إن فلاناً تلطف حتى قتل نفسه، وكره أن يمارس بدائع الشرور، وأحب النقلة إلى دار السرور. فقال الحكيم قولاً معناه: أخطأ ذلك الشاب المقتبل، له ولأمه يحق الهبل، هلا صبر على صروف الزمان، فانه لا يشعر علام يقدم، ولولا حكمة الله جلت قدرته، وأنه حجز الرجل عن