لا يتم استقلال سياسي صحيح لأمة من الأمم ما لم تستقل استقلالاً اقتصادياً أولاً. تلك حقيقة لا يختلف في صحتها اثنان. والاقتصاد في كل الأمم هو العمود الفقري لحياتها، والمقياس لعظمتها وتقدمها، حتى أضحى شغل العقول الكبيرة إلتي تخلص لأوطانها، وتعمل لرقيها بإخلاصها وإيمانها
ولقد ظلت مصر ردحاً من الزمن تضع السياسة في المنزلة الأولى من تفكيرها، وفى غمرات ذلك الاضطراب السياسي ساءت الأحوال المالية فيها، وامتدت الأيدي إلى المصارف الأجنبية التي استغلت الفرص احسن استغلال، وأخذت تضيق على من يقع في حبائلها الخناق، حتى ضج الناس وغمرهم الذهول. هنالك تفتحت الأذهان، وحدقت العيون إلى نصير منهم يأخذ بأيديهم ويهديهم صراطاً اقتصاديا مستقيما. عندئذ قام ذلك الوطني المخلص (طلعت حرب باشا) ووضع هو وصحبه الأكرمون نواة ذلك الصرح الوطني الشامخ، فخر مصر وعنوان مجدها الاقتصادي، ووجه ذهنه الخصب، وعقله الجبار، لإنجاح ذلك العمل القومي العظيم، حتى صافح الفوز وتجاوز حد الثقة وأصاب مشاكلة الغرض
وبعد أن وصل ذلك المشروع إلى الحد الذي يحسد عليه ضاق علي جسامته وخطورته بنشاطهم وبنتاج هممهم فأخذوا ينشئون الشركة تلو الشركة، والمصنع تلو المصنع، ومن بين هذه المشروعات الجليلة التي قام بنك مصر بتأسيسها (شركة مصر للغزل والنسيج) التي أقيمت في المحلة الكبرى
نما غرسها منذ سنوات ثلاث، وأخذت أغصانها تزداد قوة وامتدادا، وتؤتي أكلها جنياً شهيا، كلما زادت الأمة في الإقبال عليها وتشجيعها، وأبواها بنك مصر و (طلعت حرب) يتعهدانها ويؤازرانها بإدخال كل مستحدث من الآلات، وكل جديد من الفن، حتى كان آخر ذلك هذا التوسع الكبير الذي يجري اليوم فيها على قدم وساق، والذي شاء لنا حسن التوفيق أن نشهده تلبية لدعوة وجهها إلينا رجال الشركة