[إلى دودة]
للأستاذ ميخائيل نعيمه
تدبّين دبّ الوهن في جسميَ الفاني ... وأسعى بجدٍ خلف نعشي وأكفاني
فأجتاز عمري راكضاً متعثراً ... بأنقاض آمالي وأشباح أشجاني
وأبني قصوراً من هباءٍ وأشتكى ... إذا عبثت كف الزمان ببنياني
ففي كل يومٍ لي حياة جديدة ... وفي كل يومٍ سكرة الموت تغشاني
ولولا ضباب الشك يا دودة الثرى ... لكنت ألاقى في دبيبك إيماني
فأترك أفكاري تذيع غرورها ... وأترك أحزاني تكفن أحزاني
وأزحف في عيشي نظيرك جاهلاً ... دواعيَ وجدي أو بواعث وجداني
ومستسلماً في كل أمرٍ وحالةٍ ... لحكمة ربي لا لأحكام إنسان
فها أنت عمياء يقودك مبصر ... وأمشي بصيراً في مسالكِ عميان
لك الأرض مهد والسماء مظّلمة ... ولي فيهما من ضيق فكريَ سِجنان
لئن ضاقتا بي لم تضيقا بحاجتي ... ولكن بجهلي وادعائي بعرفاني
ففي داخلي ضدّان: قلب مسّلم ... وفكر عنيد بالتساؤل أضناني
توَّهَم أنَ الكون سِرٌّ وأنه ... يُنال ببحثٍ أو يُباح ببرهان
فراح يجوب الأرضَ والجوّ والسما ... يسائل عن قاصٍ ويبحث عن دان
وكنتُ قصيداً قبل ذلك كاملاً ... فضعضع ما بي من معان وأوزان
وأنت التي يستصغر الكل قدرها ... ويحسبها بعضٌ زيادة نقصان
تدُبّين في حضن الحياة طليقةً ... ولا هَمَّ يضنيك بأسرار كوأن
فلا تسألين الأرضِ مَنْ مدَّ طولهَا ... ولا الشمس مَن لظّى حشاها بنيران
ولا الريح عن قصدٍ لها في هبوبها ... ولا الوردة الحمراء في لونها القاني
وما أنتِ في عين الحياة دميمة ... وأصغر قدراً من نسور وعقبان
فلا التبر أغلى عندها من ترابها ... ولا الماس أسنى من حجارة صوّان
هل استبدلت يوماً غراباً ببلبل؟ ... وهل أهملتْ دوداً لتلهو بغزلان؟
وهل حقنت غدرانها من ضفادع ... وأوجدت الإبحار ملهى لحيتان؟