للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفس كبيرة ثائرة وعقل راجح حكيم:]

السيد جمال الدين الأفغاني

للأستاذ حمدي الحسيني

- ٢ -

أما جمال الدين فظل في كابل لم يمسه الأمير بسوء احتراماً لشخصيته الكبيرة وعشيرته القوية مؤجلاً الفتك به إلى فرصة مناسبة. فرأي جمال الدين أن يغادر البلاد، وللحر عن دار القلي متحول. فعزم على الذهاب إلى الهند والنزول فيها على أحد أصدقائه التجار البسطاء. وكم كانت دهشته عظيمة عندما رأي على الحدود استقبالاً فخماً رسمياً تستقبله به حكومة الهند وليس له من الصفة الرسمية ما يستوجب هذا الاستقبال العظيم فقال: مأرب والله لا حفارة كريم. وأول سؤال ألقى على جمال الدين من الحكومة الهندية ما هو الزمن الذي تريد أن تقضيه في الهند؟ قال لا أكثر من شهرين. قبلت الحكومة ذلك منه ولكنها أحاطته بجيش جرار من الجواسيس والعيون تحصى عليه أنفاسه وتعد عليه حركاته وسكناته؛ ولكن هذه المراقبة الشديدة الدقيقة لم تمنع الهنود من الإقبال عليه والإجماع به والاستماع له فأصبح كعبة يحج إليها الهنود على اختلاف طبقاتهم وتباعد ديارهم، فضاقت الحكومة الهندية ذرعاً وكشفت نقاب الحياء عن وجهها وأرسلت لجمال الدين وهو في مجلس حافل برجالات الهند أحد رجالها ليبلغه بأن حالة البلاد لا تساعد على بقائه في الهند أكثر من المدة التي قضاها. فتأثر الهنود الحاضرون من هذا الأمر وأرادوا أن يحتجوا فكفهم جمال الدين عن هذا والتفت إلى رجل الحكومة فقال له: إن تخوف حكومة بريطانيا من زائر أعزل يسجل عليها وهن عزيمتها وضعف شوكتها وقلة عدلها وعدم أمنها في حكمها، وأنها في حقيقة حكمها لهذه الأقطار أضعف بكثير من شعوبها. ثم التفت إلى زائريه من الهنود وقال: يا أهل الهند وعزة الحق وسر العدل لو كنتم وأنتم تعدون بمئات الملايين ذباباً لكان طنينكم يصم آذان بريطانيا العظمى. ولو كنتم وأنتم مئات الملايين وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم سلحفاة وخضتم البحر واحطتم بجزيرة بريطانيا العظمى لجررتموها إلى القمر وعدتم إلى وطنكم أحرارا. فما كاد يتم جمال الدين كلامه حتى أذرف الحاضرون

<<  <  ج:
ص:  >  >>