دق التليفون قبيل الظهر، ودعيت إليه، فسمعت صوتاً كدت أنساه من طول العهد به يسألني:(هل تستطيع أن تهبني من وقتك الثمين دقائق؟ إن بي حاجة إليك فلا تخيب أملي فيك).
فشوقني ذلك إلى لقائها، وإن كانت قد جفتني ونبت بي بلا موجب أعرفه، فذهبت إليها، وقلت وأنا أحدق في وجهها متفرساً:
(والآن ما الذي زوى بين هاتين العينين الجميلتين مذ كنت هنا آخر مرة؟)
قالت وهي تبشم وتمد إلى يديها بصندوق السجاير:
(خمن وأراهن لن تقع على الصواب!)
قلت وأنا أشعل السيجارة على مهل:
(أهو شيء عجيب جداً إلى هذا الحد؟)
قالت:(نعم وجديد أيضاً)
وكانت مقطبة على الرغم من ابتسامها، ولكن وجهها كان كأنه في هالة. فقلت:(إن هذا الذي أطالعه في محياك الوضيء لا يكون إلا من شيء واحد. فمن هو؟ لا تطيلي عذابي)
قالت وهي تتنهد:(إنك لا تعرفه. . . شاب أصغر مني. . . قد يكون هذا جنوناً مني. . ولكنه هو أيضاً مجنون. . بالآثار. .)
قلت:(إن في الدنيا ضروباً شتى من الجنون، فلا تخشى أن أنكر عليك أو عليه شيئاً، ولكن الذي لا أستطيع أن أفهمه هو أن تضيعي وقتك معي وحقك أن تكوني معه)
قالت:(هذا ما أردت أن أتحدث معك فيه. . إن له صديقاً حميماً من علماء الآثار. . لا يفترقان. . . ولا كلام لهما إلا في هذه الآثار. . . وأنا أزعم أني لا أبالي. . . ولكنه يبدو لي أن هذا الحال غير طبيعي)
قلت:(غيري؟؟)
قالت:(نعم، إلى حد ما، وإنها لسخافة، ولكن هذا هو الواقع، ولا حيلة لي أراها)