قلت:(الحكمة القديمة تقول إن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده؛ أما الحكمة الجديدة فتقول إنه لا يحيا بالحب وحده)
قالت:(اعرف هذا ولكن. . .)
فقاطعتها وقلت:(ولكن يا فتاتي الغيرى يجب أن تعلمي أن للصداقة - كما للحب - مطالبها ومقتضياتها؛ ومن الجلي أن هذه الصداقة تنيله ما لا يسعك أنت أن تنيليه. وإذا كان لي رجاء، فهو ألا تحاولي أن تستحوذي على هذا الشاب، فإن من الخطأ الذي تقع فيه المرأة كثيراً أن تحاول أن تبلع الرجل. . ومن يدري. . لعل المرأة كانت أسبق من الرجل إلي أكل اللحم البشري، وعسى أن تكون هي التي علمته ذلك. . ولكنا ارتقينا يا فتاتي الجميلة. . خرجنا من عصور الاستيحاش. . . ثم أسمعي. . . لا تصدقي أن من الممكن إدماج حياة في حياة، وأن اثنين يمكن أن يكونا واحداً. . . تذكري ما تعلمت من علم الحساب. . . وخير من هذا، وأجلب للراحة أن توطن المرأة نفسها على أن للرجل حياته المستقلة. . . فان محاولتها الاستحواذ على الرجل تؤدي إلى جعل الحب آفة، والعكس أولى بأن يكون)
فقالت بلهجة مبطنة بالمرارة:(إن من الطبيعي ولا شك أن يكره الإنسان المشاركة)
قلت:(الرغبة في الاستحواذ مرة أخرى. . . ولكن هل أنت مشاركة فيه؟ هل في وسعك أن تغنيه عن صديقه وأن تحلي محله، وتشبعي الجوع الذي يحسه من هذه الناحية؟ لا أظن فاقنعي بنصيبك منه، ودعي له البقية التي لا يكون في مقدورك أن تسدى الفراغ فيها. . . إن من العسير أن تصبيه في القالب الذي يروقك. . . صعب جداً أن تغيري الناس. . . كل ما يمكن أن تنجحي فيه هو أن تسيئي إليه وتنفريه. . . فما دام يشعر بالحاجة إلى صديقه هذا فدعيه له، ولا تطمعي أن تسلبيه منه الآن. . . إنك جديدة عليه فاتركي الوقت الكافي للتكيف. . ومن يدري. . إنه لا يجد فيك الآن كل ما تصبو إليه نفسه. . . قد يستغني بك عن الدنيا قاطبة فيما بعد. . . بعد أن تتكشف له نواحي نفسك شيئاً فشيئاً. . . ولكن من يدري أيضاً. . . قد يتبين انك أنت أيضاً لا تجدين عنده كل ما تطلبين من الحياة. . . قد تجدين مثلاً مجرد مثل. . . أنك لا تستغنين عني، وأن بك حاجة ولو قليلة إلى صداقتي الفارغة. على كل حال، لقد احتجت اليوم إلي، ولو أنه كان حسبك من كل ناحية لما دعوتني إليك)