كان خير ما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى (وأنك لعلى خلق عظيم) وقوله: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وفي هذا الدليل القاطع والحجة القوية على ما للأخلاق الكريمة من أثر في الحياة. والأخلاق الكريمة لا يحتاج إليها الإنسان في الزعامة أو القيادة أو الرياسة فقط، ولكنه يحتاج إليها في جميع الأعمال والمهن والحرف على اختلاف أنواعها، لما يجري فيها من معاملات بين الناس وأخذ ورد، ومد وجزر، تتطلب جميعها الحكمة وحسن التدبير والحسنى في القول، والصدق والأمانة في العمل. ولا غرو فالأخلاق لكريمة عماد تكوين الأمم وأساس نهضتها ورقيها. وفي ذلك يقول المرحوم شوقي بك:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول المغفور له سعد زغلول باشا:(نحن لسنا محتاجين إلى كثير من العلم، ولكننا محتاجون إلى كثير من الأخلاق الفاضلة)
والأخلاق كما تورث بذورها عن الآباء والأمهات تربى في النشء. وأمتنها وأقواها ما نشأ عليه الطفل منذ نعومة أظفاره، وهي فوق ذلك تربى في الشاب واليافع والكهل، بل وفي الشيخ بالتعود والمرانة ورياضة النفس. وليس شيء أدل على ذلك من آيات التأديب المختلفة التي نزلت في القرآن الكريم حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أدبني ربي فأحسن تأديبي) فمن تلك الآيات الشريفة قوله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر) وقوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) الخ. وانظر إلى قوله تعالى تعليما وتأديباً للمؤمنين:(وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا) وإلى قوله: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله