للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصرع شجرة الدر]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

كانت كليوباتره آخر ملكة جلست على عرش مصر الفرعونية، وكانت شجرة الدر أول وآخر ملكة جلست على عرش مصر الإسلامية. وكانتا كلتاهما آية الجمال والسحر، وعنوان البطولة والحزم، زينة الملك، وملاذ العرش والدولة؛ وقد لقيتا كلتاهما مصرعها في ظروف روائية مؤثرة؛ ولكن بينما تحيط الأسطورة بحياة كليوباترة وتكاد تغمر حوادث مصرعها، إذا بشخصية شجرة الدر تبرز واضحة خلال الفترة القصيرة التي تبوأت فيها عرش مصر، وإذا مصرعها مأساة قصر تحيط بها جميع العوامل والظروف التي تجتمع حول مآسي القصور

لم تكن شجرة الدر كما تريد أن يصورها القصص أحياناً، غانية قصر تعتمد على سحرها النسوي فقط في تبوء المكانة التي سمت إليها؛ ولكنها كانت فوق سحرها الجم، امرأة رفيعة الخلال وافرة الذكاء والعزم؛ بدأت حياتها جارية وحظية للصالح نجم الدين أيوب ولد الملك الكامل ملك مصر مذ كان نائباً عن أبيه بالولايات الشرقية. ولما توفي الملك الكامل، وتولى ولده الملك العادل دون أخيه الأكبر الصالح نجم الدين، وأعلن الصالح الثورة على أخيه بقيت شجرة الدر إلى جانبه في جميع الوقائع والخطوب التي خاضها، وشاركته مرارة الحرمان والأسر. ولما خلع الملك العادل وتولى الصالح مكانه ملك مصر في سنة ٦٣٧هـ تألق نجم شجرة الدر وتبوأت ذروة النفوذ والسلطة وغدت كل شيء في البلاط وفي الحكومة. وكان الصالح قد فتنته خلالها الرفيعة فأعتقها وتزوجها، ورزق منها ولداً يدعى خليل. ولم تبق بعد حظية تسمو بجمالها وسحرها، ولكنها غدت سيدة القصر الشرعية، وأم ولده المحبوب؛ كانت هذه الجارية التركية أو الرومية تلعب يومئذ في بلاط القاهرة نفس الدور الذي لعبته من قبل صبح النافارية (البشكنسية) جارية الحكم المستنصر وأم ولده المؤيد في بلاط قرطبة. ولما توفي ولدها خليل حدثاً بعد ذلك بأعوام قلائل، لم تزعزع هذه الضربة الأليمة مركزها، بل لبثت محتفظة بنفوذها وتأثيرها في توجيه الشئون

ولما قدم الفرنج الصليبيون إلى المياه المصرية بقيادة ملكهم لويس التاسع في أوائل سنة ٦٤٧هـ (١٢٤٩م)، وحاصروا دمياط، كان الملك الصالح مريضاً وكان البلاط في حيرة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>