النقد الأدبي كما نفهم فيلا العصر الحديث، هو النظر في النتاج الأدبي لأمة أو فرد، لنرى مبلغ دلالته على الصدق ومقدار نطقه بالحق. نقلبه على وجوهه المتعددة تحرياً لمظاهر الحسن فيه وتلمساً لمواضع النقص منه، جاهدين في إبراز حسنه أو نقصه، مع الإشارة إلى الحسن لم كان حسناً، والى النقص لم كان نقصاً. ومعنى ذلك تحليل الأدب وتعليله لفظاً ونظماً وفكرة، وتوضيح المؤثرات التي يتأثر بها، ثقافية أو جغرافية أو تاريخية أو اجتماعية أو شخصية أو نحوها، مع توضيح أثارها فيه. ثم بيان مدى تأثير هذا الأدب لدوره في فرد أخر أو جماعة أخرى، باعتباره عاملا جديداً من العوامل الحيوية المؤثرة في حياتهما. ثم موازنة هذا الأدب بغيره ومعرفة مدى الفوارق بينهما، إبرازاً لقوة أحدهما أو ضعفه وسموه أوضعته، وصدقه أو مينه، وتأثره بغيره أو عدم تأثره. والموازنة بذلك تعيين على تشخيص الأدب وإبراز عناصره وإيضاح مميزاته وخصائصه.
والناقد الكامل يحتاج - لكماله - إلى سعة من العلم وأحاطته بالأدب، ودراسة اجتماعية حادقة وفلسفة نفسية عميقة. هذا إلى ذوق فني سليم، وإطلاع على ما كتبه ارباب النقد البياني ورجال البلاغة للاستئناس به والاسترشاد لقواعده، حتى يكون بذلك كامل العدة واضح الحجة، جامعاً لأصول النقد الصحيح من ذوق ومعرفة.
مثل هذا الناقد إذا جلس للحكم على الأدب نرجح أن يكون حكمه عادلاً ونافعاً.
ونقول: نافعاً، لأن النفع الجديد الذي يتضمنه حكمه هو مزية النقد الكبرى، ومزية الناقدين، وأبسط ما توصف به هذه المزية أنها تبصير حق بالأدب المنقود، يضاعف أثره، وتمهيد جميل للأدب الجديد يذلل سيره، وإذا كان النقد في العرف الحديث أدباً وصفياً، فهو أدب إنشائي من ناحية أخرى. وعلى الأقل من ناحية أنه يسن السبيل أمام الأدب الجديد، ويرسم له الطريق الذي يسلكه، ويهيئه - بزعمه - لبلوغ كماله. والنقاد - في هذا - يعبرون عن مزاج جيلهم وذوق معاصريهم وحاجة جمهورهم ويجهد الأدباء كتاباً وشعراء، في، تحري أذواق النقاد، والتجانف عما يريبهم. فينضج أدبهم مطبوعاً بطابع نقادهم. لهذا يقال أن النقاد