هم موجهو الأدب في الأمة وهداته. ولا يحرر من ربقتهم ألا أديب معاصر، ولكن لديه من المؤثرات الخاصة عدة عوامل جنحة به إلى أفق من الحرية. على أنه قد يعيش غريباً بين قومه، وقد لا يتأثرون بأدبه ألا بعد فترة من الزمن.
هذا هو الذي فهمناه في العصر الحديث من معاني النقد الأدبي. فهل ولد النقد قبل اليوم مولداً على هذا الغرار؟ الحديث عن ذلك طويل يضطرنا إلى النظر في اتجاهات النقد في كل من العصور الأدبية المنصرمة، وهذا ما لم نقصده هنا الآن. وإنما قصدنا أن نعرض في إيجاز إلى الحديث عن النقد الأدبي في العصر المملوكي.
غير أنه لا ريب في أن النقد الأدبي ولد بمولد الأدب، إذا راعينا أن قارئي الأدب أو سامعيه سواء أكانوا من الخاصة ام العامة مولعون أبداً بالنقد والتعليق على كل ما يقرءون أو يسمعون ولو بكلمة عابرة، أو نقدة طائرة، أو تعليقة حائرة. وهكذا نستطيع القول أن النقد قد ولد مع الأدب الجاهلي. غير أنه كان نقداً فطرياً في نطاق ضيق وبين خليط من اعتبارات شتى، ومرجعه الذوق الخاص، وغير مقعد بقواعد ولا مرتبط بذوق عام. . . ثم نضج النقد الأدبي بعد النضوج بمجيء الإسلام وأقبل الناس على سماع الأدب والنظر فيه، وكانت بالأمويين عناية فائقة بسماع الشعر قديمه وحديثه، والتعليق عليه، وقياس شعر بشعر، وموازنة بيت وببيت، حتى جاء العصر العباسي، وأقبل القوم على الدرس والتصنيف والترجمة. ولقحت العقول بالمترجمات، وفاضت المجالس بما ينشده الشعراء والرواة من محاسن الآداب العربية، ونشط النقد، وتكون ما يشبه الذوق العام. وعني بالدفاع عن الأساليب القرآنية وبيان ما فيها من أسرار التراكيب. فظهرت بوادر العلوم البلاغية ثم أشتد أزرها وقوى أمرها وتجمعت حقائقها حتى تألفت علوماً لها موضوعاتها وأبوابها وقواعدها. وصنفت كتب في النقد والموازنات اعتمدت فيما اعتمدت عليه، على الذوق الخاص، وهكذا أنتهى عصر العباسين بعد أن خلف في ميداني النقد الأدبي والبياني ذخيرة نفيسة. ولكن النقد - على كل حال - لم يبلغ ذلك المبلغ الذي رسمنا صورته في أول المقال، والذي يتقاضاه منا العصر الحديث:
وبعد فما نصيب العصر المملوكي من هذا التراث، فما الذي أضافه اليه؟ أهم ما يجبهنا من ذلك، ذوق بديعي عام استحوذ على الأدباء والنقاد جميعاً. لم يعتمد على ما خلفه الأقدمون