من قواعد في النقد البياني فحسب، وأن كانت هذه القواعد من أهم دعائمه ومصادر الهامه. وأن كان قد جمع كل أبواب البلاغة جديدها وقديمها تحت راية البديع.
ولقد كان للقاضي الفاضل عميد الأدباء في العصر الايوبي، أثر بارز في الكتابة والشعر في العصر المملوكي. لأنه أبتدع للأسلوب طريقته البديعية الخاصة التي اساسها الإكثار من المحسنات وبخاصة السجع فقد ألتزمه، والجناس والطباق، مع الغلو في سوق التروية والاستخدام والإمعان في التشبيه والاستمارة، والتلميح إلى الحوادث، والتوجيه بالمصطلح العلمي، وتضمين المأثور والاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، إلى غير ذلك من محسنات وسمات. وهذه طريقة في الأسلوب مبنية على ما سنه من قبله الكاتب الشهير أبن العميد (٣٠٠هـ - ٣٦٠هـ) وغيره من أدباء العراق. غير أن الفاضل غلا في التزام ما استحسنوه وأن قاد الأدباء من بعده - وبخاصة في العصر المملوكي - إلى طريقته وتعصبوا لها، حتى تركزت في أذواقهم وفي اذواق النقاد معاً، وأصبحت نهجاً متبعاً وقاعدة مرعية بين قواعد النقد التي يزنون بها الآثار الأدبية الجديد منها والقديم على حد سواء.
وظهر شاعر مصر الكبير جمال الدين بن نباته (٦٨٦ - ٧٤٨هـ) فنهج نهج القاضي الفاضل، وتعصب لطريقته؛ فكان بذلك زعيماً ثانياً للطريقة الفاضلية في الشعر والكتابة. واتجهت عناية أبن نباته إلى أيجادة التورية والتضمين، فأبدع فيهما أيما إبداع، وأتى منهما بالعجب العجاب، واتجهت كذلك إلى الجناس؛ ولكن عني بإخراجه مخرج التورية، فأجاد وأطرب، وأفاد وأعجب؛ فكان بذلك وغيره ذا طريقة جديدة هي الطريقة النباتية، وأصبح لها أتباع ومتعصبون هم جهرة عظيمة من أدباء العصر المملوكي ونقاده، وتركزت بدورها في أذواقهم حتى صاغوا أساليبهم في قالبها، أو اتخذوا منها قواعد جديدة للنقد وزنوا بها ووازنوا بين أدب وأدب، وبين شعر وشعر. وفي مقدمة المتعصبين لها والناقدين على أساس منها ومن الطريقة الفاضلية: شهاب الدين أو الثناء محمود بن سليمان الحلبي (٧٢٥ هـ) صاحب كتاب (حسن التوسل إلى صناعة الترسل). وتقي الدين أبن حجة الحموي (٨٣٧هـ) صاحب كتاب (خزانة الأدب وغاية الارب). وهذا الكتاب أوسع نطاقاً من سابقه. وقد ألفه أبن حجة ليشرح فيه بديعيته، وهي المنظومة التي مدح بها سيد المرسلين عليه السلام، وضمن كل بيت من ابياتها شيئاً من البديع. فقد وزن فيه بينها وبين بديعيتي