عز الدين الموصلي وصفي الدين الحلي موازنة أساسها البديع، ذاكر أسم النوع البديعي واختلاف العلماء فيه، وشواهد الأدباء عليه. وقد استطاع أبن حجة أن يخرج كثيراً عن النطاق العلمي الذي ضربه علماء البلاغة أخريات العصر العباسي، كالسكاكي مثلا. واستطاع أن يجعل من كتابه هذا معرضاً أدبياً ضافياً تألق فيه كثير من شعر العصر المملوكي ونثره، ومع نقده نقداً هو مزاج من النقد الأدبي الصحيح الذي اساسه الذوق، ومن النقد البياني الموروث الذي أساسه العلم؛ مبيناً، بين الفينة والفينة، مذاهب الشواذ والخارجين على الطريقة النباتية من شعراء هذا العصر. ومن بينهم صلاح الدين الصفدي الذي جن جنوناً بالجناس وأنواعه، كما جن به الصاحب بن عباد من قبل، وأكثر مما جن. وقد حمل أبن حجة على الصفدي وسفه ولوعه بالجناس مبيناً أن هذا المذهب يخالف مذهب أبن نباته وتابعيه، من العناية بالتورية واعتبارها اسمي ضروب البديع، بل أجود أبواب البلاغة. وقد أنساق الصفدي بدافع حب الجناس إلى وضع كتاب فيه بخاصة وسماه (جنان الجناس) ملأه أمثلة من الجناس. وقد نقده أبن حجة في كتابه (خزانة الأدب) نقداً مراً وأورد من نظمه عدة أمثلة، وذكر أن جمال الدين بن نباته لما قرأ عنوان الكتاب قرأه هكذا:(جنان الخناس) وجرى بين الرجلين بسبب ذلك ما يطول شرحه. وذكر ايضاً من بين ناقدي الصفدي الشيخ بدر الدين البشتكي الذي قال قال عن الصفدي بمناسبة نضمه هذا:(وأن من ذلك مبلغه من النظم لجدير أن يقعد مع صغار المتأدبين). هذا إلى أن أبن حجة قد ألف كتاباً أخر في نقد الصفدي وتسفيهي كتابيه (جنان الجناس) و (فض الختام) وهو (كشف اللثام).
هذا كله يشعرنا بأن أبن حجة وغيره من نقاد العصر لم يتقيدوا بالقواعد البلاغية ولا بما وصل اليه النقد البياني من تقعيد بل حكموا بكثير مما نقدوه أذواقهم وقواعد نهجهم البديعي.
وهذا لا يمنعنا من الإشارة إلى أن هناك رجالاً صرفوا جهودهم إلى النقد البياني وقواعده الموروثة عن العصر السابق، فكانوا علماء أكثر منه علماء. وفي رأينا أنهم لم يأتوا من وراء هذه الجهود بجديد وما مؤلفاتهم ألا شروح أو مختصرات لمؤلفات السالفين من علماء البلاغة. وقد حظى كتاب (مفتاح العلوم) للسكاكي (٦٢٦هـ) بنصيب كبير من هذه المؤلفات، ومنها ما وضعه الجلال القزويني، والجلال السيوطي، وزكريا الأنصاري،