شاعر الترك الأكبر، حمل لواء الشعر أكثر من خمسين عاما غير منازع، ولا يزال على المرض والشيخوخة مطمح الأبصار، وقبلة الأفكار. ولد سنة ١٢٦٧ هـ فهو الآن في الخامسة والثمانين من عمره المبارك، وما فتئ مذ بلغ العقد الثالث فياضا بالشعر والنثر يسلك فيهما المسالك المختلفة موفيا على الغاية، بالغا من الجمال والجلال النهاية، حتى كتب أكثر من ثلاثين كتابا، ثروة يفخر بها الأدب التركي بل يتحلى بها الأدب الإنساني. وليس يتسع المقام هنا للإبانة عن شعره ونثره، أو الإفاضة في وصفه والكشف عن نواحي النبوغ والإعجاز في طبعه، ولكني أعرض لكتاب واحد من كتبه:
في سنة ١٣٠٢ كان الشاعر في الهند فمرضت زوجه، فسافر بها راجعا دياره فماتت في الطريق ودفنها في بيروت. وكانت في سن الخامسة والعشرين، وشاعرنا يومئذ ابن خمس وثلاثين.
كانت وفاة فاطمة قيامة في نفس عبد الحق وفي الأدب التركي. كتب في البكاء عليها زهاء ألف وخمسمائة بيت في كتابين أكبرهما وأولهما سماه (مقبر) وهو صرخة ما تزال مدوِّية في الأدب التركي منذ خمسين عاما. ولن يمحى صداها في الحياة ما بقي في الإنسان قلب وما بقي للشعر التركي قارئ والثاني سماه (أولو) أي الميت.
يقول جناب شهاب الدين وهو من أعاظم أدباء العصر:
إن (المقبر) ومقدمته فتحا عصراً جديداً في أدبنا المنظوم والمنثور. ولم تؤثر وفاة فاطمة في حياة الشاعر وحده بل في آداب الأمة كلها. . . ولا ريب أنه قد ولد من القبر الذي في بيروت شاعر جديد أعظم من شاعرنا الأول. إن (المقبر) أعظم وأجمل تمثال في آدابنا، ولست أرتاب في أن هذه البديعة التي كتبت على حافة البقاء قد قدر لها الخلود.
(المقبر) ثورة هائلة بعث فيها الشاعر أناته وعبراته وصيحاته وكل ما في قلبه وعقله.