[٥ - أصحاب المعالي]
(إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها)
(حديث شريف)
للأستاذ محمد محمود زيتون
هذا هو البارودي أو بالأحرى فلذات من شخصيته المالية الدائبة على طلب التمجيد والتخليد، وليس ثمة أبعد همة من احتقار اللذة خمرا ومزمارا، وأسمى مكانة من الاعتماد على النفس في سلوك النهج بغية العزة والتماس الكرامة.
والبارودي - والحق يقال - من طراز الأبيوردي الذي من شيمه معالي الأمور، أما قمة انجم فهي موطئ قدمه، فكيف برأسه:
الناس من خولي والدهر من خدمي ... وقمة النجم عندي موطئ القدم
وللبيان لساني والندى خضل ... به يدي، والعلا يخلقن من شيمي
لو صيغت الأرض لي دون الورى ذهبا ... لم ترضها لمرجى نائل همهمي
وعن قليل أرى في مأزق حرج ... به تشام السريجيات في القمم
ويقول:
عجبت لمن يبغي مداى وقد رأى ... ما حب ذيلي فوق هام الفراقد
ولي نسب في الحي عال بقاعه ... رحيب ماري العرق زاكي المحاتد
ورثتنا العلا وهي التي خلقت لنا ... ونحن خلقنا للعلا والمحامد
أبا فأبا من عبد شمس وهكذا ... إلى آدم لم ينمنا غير ماجد
ومن العجيب أن العرب في شتى الإعصار والأمصار لم يفارقهم هتا المجد في الروحات والغدوات، وما من شيء يحتلفون بذكره في نثرهم وشعرهم أهم عندهم من المعالي.
يقول حسا بن ثابت في مدح جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان:
دار لقوم قد أراهم مرة ... فوق الأعزة عزهم لم ينقل
بيض الوجوه كريمة أحسبهم ... ثم الأنوف من الطراز الأول
ويقول لبيد: