والمصاب بداء الشعور بالحقارة إذا أفدته علماً أو مالاً تباهى به عليك وتلمس الوسائل كي يظهر بمظهر المانح كأنما يمنحك فضلاً أو عوناً، إما بأخذه ما أخذ منك، وإما بدلا منه. وهو لا ينسى لك فضلاً ويحسدك على نعمتك حتى تزول ولو كان في زوال نعمتك زوال نعمته، ويحاول أن يخفي فضلك عليه حتى على أكثر الناس علماً بما أفدته، ويحاول أن يجند منهم أعواناً له ضدك بأن يظهرك بمظهر العداوة لهم وقلة الخير والزهد فيهم، فإذا عاتبته واضطررت أن تذكره بمعونتك كي تبتعث الحنان في قلبه عد إشارتك التي استثارها بعمله أو حديثه امتناناً منك عليه، فيزداد لك عداوة. وهو بالرغم من مقابلته المعروف بالإساءة يطمع في المزيد مما عندك وإن ظهر بمظهر العائف له. وهو سلاح في يد أعدائك حتى وإن لم يدر ذلك، لأنه قد يغالط نفسه أو يغالطونه ويخادعونه
ومن المصابين بداء الشعور بالحقارة من ينغص عيشة من يعاشره بإظهار حدة الطبع ورفع الصوت والعراك، لأنه يرى في كثرة العراك تعاظماً وتعالياً يخفي ما يشعر به في سريرة نفسه من الوجل والخوف من أن يحقر. ومن المصابين بهذا الداء من يعد سفاهة لسانه سياجاً يحوط به عظمته الموهومة التي يخفي بها ما هو كامن في سريرة نفسه من الشعور بالحقارة التي قد يظنها عظمة
ومنهم من يتلمس الفرص كي يسمع الناس صوته كأنما صوته جرس يدق إيذاناً بالعظمة التي يخفي بها خوفه من التحقير
وترى الواحد من هؤلاء لا يتعفف عن مدح نفسه والإشادة بآرائه وأفكاره وإعجاب الناس بها واحترامهم إياه بسببها، وهذه الخطة قد تكون مكراً ووسيلة كوسيلة التاجر في الإعلان عن بضاعته وإن عرف أن بضاعته غير مزجاة؛ وصاحبها مع ذلك مطمئن النفس لا يبالي إذا لم يصدقه السامع، ولكنها قد تكون خطة مسعور متكالب على الناس يرجو احترامهم ولا يستطيع أن يعيش من غيره ولا يهنأ حتى ولو فقد مثقال ذرة منه، وهو يتفرس في وجوه الناس كي يرى هل صدق السامع حديث إعجاب الناس به. وكلما كان الرجل من هؤلاء المصابين بداء الشعور بالحقارة مفلساً من المال أو الجاه أو العلم كان حقده أشد، ونكايته