أنكى، وصوته أكثر إيذاناً بالعظمة التي يحاول أن يخفي بها المرض. وقد تزول أسباب المرض من إفلاس في مال أو علم أو جاه، ولكنه يبقى طبعاً في النفس لا تستطيع مداواته. ومن العجيب في أمر المصابين بداء الشعور بالحقارة أنهم قد يخلصون أو يتظاهرون بالإخلاص - وهو الصواب - لمن لا يرجون منه خيراً ولا نفعاً، ويختصون بالإعنات من يرجى منه الخير أو من أصابهم منه خير، لأن الدَّينَ ربما عدوه نقصا. وهؤلاء المصابون بداء الشعور بالحقارة يود بعضهم بعضا بالغريزة، ويساعد بعضهم بعضا مادام ليست بينهم خصومة على خير مرجو، ومادام لا يحجب أحدهم الآخر عن الظهور؛ وهم عندما يساعد بعضهم بعضا يكونون كأنما هم حِلف على الباطل قد عمل بحرف الحديث:(أنصر أخاك ظلماً أو مظلوما) وأغفل معناه الحقيقي؛ وهم إذا تعاونوا على الباطل يعرفون أنهم لا يشبعون نهمتهم من العظمة الباطلة التي يخفون بها ما كمن من الشعور بالحقارة إلا بالتساند؛ أما إذا تخاصموا على مظهر من مظاهر التعاظم فلا يتعففون من التحارب بأقذر سلاح كما كانوا يتعاونون به
وهم يضحون بالسعادة والصحة والمال وبأحب عزيز وبسعادة كل من يعقوهم كي يبلغوا مظاهر التعاظم التي يخفون بها ما كمن في العقل الباطن وفي السريرة من الشعور بالحقارة. وإذا بلغ هذا المرض أشده لم يحجم صاحبه عن الجرائم؛ وقد يؤدي إلى الجنون وهو مرض شائع، وبعض مظاهره ليست حادة ولا مسببة للحزن والتعاسة كما تسبب حالاته الشديدة. فمن حالاته البسيطة التي ربما كانت تدعوا إلى الفكاهة أن يقابلك إنسان مصاب بهذا المرض وهو يعرف اسمك تمام العرفان فيناديك باسم آخر، فإذا كان اسمك محمدا قال: كيف حالك يا مصطفى بك؟ وهو يفعل ذلك كي يشعرك أنه أعظم شأناً من أن يتذكر اسمك؛ فإذا صححت له اسمك اعتذر ثم يعود بعد قليل فيناديك بالاسم الخطأ: قائلاً أليس الأمر كذلك يا مصطفى بك؟ ولا يناديك باسمك مهما صححت خطأه. ومنهم الصغير المنزلة الذي يقابلك فيتلطف في الحديث فإذا لمح إنساناً يعرفه رفع صوته بلهجة الآمر كي يشعر السامع أنك تقبل منه هذه اللهجة لعظم أمره. ومنهم صاحب الأباريق في قصة الموظف المشهورة الذي أحيل على المعاش فاشترى أباريق وملأها ماء وجلس عند المسجد الجامع يقول لكل طالب ماء بلهجة الآمر: خذ هذا. . . لا تأخذ ذاك. وهذا المثل الأخير قد