يكون من أمثلة داء الشعور بالعظمة، والحقيقة أن مظاهر داء الشعور بالعظمة، ومظاهر داء الشعور بالحقارة قد تختلط، ولكن المحك الذي تعرف به وتميز هو إما ثقة صاحب الداء بنفسه وعظمتها ثقة لا تدعو إلى القلق، وإما أن مظاهر تعاظمه يخالطها القلق والحقد والحسد والدناءة والسفالة، فالأول أكثر اطمئناناً حتى أنه قد لا يشعر بمخر الساخر به، وقد يكون في تكبره كريماً أو رحيم النفس، وهو إذا ارتكب إثماً فإنما يرتكبه باسم العظمة والإصلاح، ويرتكبه وهو مطمئن وادع لا حقد يشوب إثمه ولا قلق ولا دناءة كما تشوب هذه الصفات إثم المصاب بداء الشعور بالحقارة، والأول إذا تواضع تواضع في كبر المبالغ الواثق بنفسه، وإذا تكبر تكبر بكبر الواثق بنفسه الذي لا يشعر بسخر الناس به، وهذا المصاب بداء العظمة لا يتلصص في تحايله ووسائله كما يفعل صاحب الشعور بالحقارة الذي هو أميل إلى الكيد والدس
والموظف الصغير المنزلة في المصرف أو في الدواوين الذي يتعالى ويتعاظم ويتصام ويتفخم ويحملق في وجوه أصحاب الحاجات ويتباطأ في إجابتهم من غير سبب أو معذرة إنما هو مصاب بداء الشعور بالحقارة. ولعله يتشفى بهذه الأحوال مما أصاب نفسه من تعاظم من هو أعلى منه منزلة تعاظماً شعرت به الذلة والمسكنة. وفي بعض حالات هذا المرض لا ترى سبباً ظاهراً له، فقد يصاب به الرجل من بيت عز وعلم فتتلمس العلل الخفية فتقول هل طغى عليه أبوه في تربيته في الصغر طغياناً يشعره الذلة والمسكنة، فإذا ورث أباه غطى ما ورثه على ذلك الداء من غير أن يعصمه من الأقوال والأعمال الناشئة منه، أم هل ورث هذا الشعور عن أجداده، أم أنه داء يعدي كما تعدي بعض الأمراض النفسية بالمحاكاة ولطول العشرة وحكم البيئة
ومما يلاحظ أن المحاكاة والعشرة والبيئة قد تنقل مظاهر هذا الداء في المدارس من تلاميذ مصابين به إلى تلاميذ على الفطرة والسذاجة. ولعل المدارس المصرية أكثر مدارس العالم ديمقراطية لكثرة مجانية الفقر للتفوق ولانخفاض المصروفات فهي تساعد انتقال الصفات من طبقة إلى طبقة، فالفقراء يحاكون الأغنياء فيخسرون، وأبناء الأسر الطيبة تحاكي أبناء أسر أقل طيبة فيخسرون أيضاً وإن كان لهذه الديمقراطية مزايا