والمدينة الفاضلة هي أصغر مجموعة بشرية كاملة تصورها الفيلسوف الفارابي فيلسوف المسلمين في كتابه:(آراء أهل المدينة الفاضلة) وقد نعت مدينته هذه بهذا الاسم ليميزها بذلك عن المدينة الجاهلية والمدينة الفاسقة والمدينة المتبدلة والمدينة الضالة وغيرها من المدن التي ابتكرها عقل الفارابي، وقد سجل أسماءها وخواصها في كتابه حيث ذكر خواص كل مدينة من هذه المدن وعلاماتها الفارقة وميولها من خير أو شر
وكتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) في ذاته نوع من أنواع الإيتوبيا (طوبي) أراد فيه مؤلفه الفيلسوف المعلم الثاني معالجة قضية من أشكل القضايا البشرية التي جابهها المسلمون ألا وهي قضية شكل الحكومة المثلية والنموذج الأعلى لنظام الحكم في هذا العالم كما فعل قبله الفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون في جمهوريته أو كما فعل المعلم الأول الفيلسوف أرسطو في سياسته وكما فعل فيلسوف المسيحية الأول القديس أوغسطين في كتابه مملكة الإله أو وكما عالج نفس هذه المشكلة فلاسفة آخرون من القدماء والمحدثين ممن كانوا قبل عصر الفارابي أو ممن جاءوا من بعده بقليل أو كثير
وآراء الفارابي في هذه المدينة تكاد تنطبق على عالم أهل السماء أكثر من انطباقها على عالم أهل الأرض. هو فيلسوف ينظر إلى الحقائق بنظرات مجردة تختلف كثيراً عن وجهة نظر السياسي المحترف أو الإداري العملي إلى الأمور. هو مفكر له مثله العليا ويريد تطبيق مثله هذه على جميع شؤون الحياة. وقد أصاب الهدف في جهات ولم يصبه في جهات أخرى. ولقد كان شأنه في مدينته هذه كشأن توماس الأكويني في شرحه لكتاب السياسة لأرسطو أو دانته الشاعر الإيطالي الفيلسوف في كتابه (المملكة) حاول أن يوفق بين آراء أفلاطون وأرسطو، وبين كتاب الجمهورية وبين كتاب السياسة، وبين الحاكم والمحكوم. فكان يرى الفارابي في الخير الخير العام وفي السعادة السعادة العامة للحكام والأتباع معاً
ويريد أن يوفق بين هذه الآراء وبين آرائه الشخصية، وبين مقتضيات الزمن. ومقتضيات زمانه السياسية من اصعب الأشياء إذ عليه أن يرضى حماته أصحاب الحل والعقد وإلا