لقد صادفت مقالات (القبعة) هوى في نفوس قراء (الرسالة) الغراء ممن يحسون في أنفسهم غيرة وحماسة، فأهدى إليَّ الأستاذ عدنان أسعد كتابه (خمر وجمر) وقدم هديته الأنيقة المشكورة بقوله (أهدي إليك كتابي المتواضع لقاء مقالك الماتع القبعة) ولمست في تضاعيف كتابه ثورة على هذه الفئة من الناس الذين لبسوا القبعة حيناً من الزمان لينبذوا المعاني السامية للوطن والدين واللغة، حيث يقول:(. . . وهكذا تفرنج الشرقي إذ انسلخ من شرقيته وصبأ من تقاليده، فلبس القبعة وتبرنط ووضع البيبة وتهبَّط، ولوي لسانه اليعربي برطانة الغرب ولغة الهمج ثم تبجح فقال: هي المدنية يا قوم فقلدون!)
وكتب إلى الأستاذ عبد الحميد يونس المدرس بكلية الآداب يقول: (. . . لم يكن المنظر الذي أثار اهتمامي هو منظر النيل الساحر تقف على ضفتيه عمد النخيل الباسقات والأشجار الخضر المتشابكة وهو يتلألأ صافياً رقراقاً يُصافح أشعة الشمس الذهبية عند الأصيل كأنه يودعها وداع الحبيب الوامق إن حمَّ الفراق. ولا هو للصحراء الساجية بالليل المتثابتة بالنهار كأنها أمواج البحر المتلاطمة مسحت عليها يد ساحر رهيب فجمدت في مكانها لا تريم. ولا هو لعاشقين تأجج الهوى في قلبيهما ضراماً من شباب وشواظاً من عاطفة فذابت أنفاسهما مع لظى النجوى وزفرات الغرام. ولا هو للزهر النضير المتألق وهو يزهو في رونق ويختال في بهاء وينفح أريجه في خيلاء وقد تعهدته يد صناع فبدا على نسق يخطف البصر ويأسر اللب. ولكنه منظر يشغل أذهان العامة وتطرب له أفئدة الأطفال. . . هو منظر سيارة عطلت في عرض الطريق فتقدم لها حمار يجرها. والسيارة رمز الجديد وشارته والحمار صورة القديم ورسمه.
تحارباً وتخاصماً وتدابراً، وسخر الأول من الثاني في عزة وكبرياء، وأغضى الثاني عن الأول فصمت وطأطأ رأسه في استسلام، ثم اندفع على سننه لا يعبأ به ولا يلقى السمع إلى حديثه وحاول كل منهما أن يقتل صاحبه ويمحوه ويبيده، حتى إذا حزب الأمر بأحدهما ونزلت به النازلة وضاقت به سبل الأرض أسرع الثاني إليه يمسح عنه ما أضناه ويهوِّن