للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه ما آده ويعينه على ما أعضل عليه. . . ما أشدهما خصمين وما أكرمهما عدوين!

هذه - يا صاحبي - هي الحرب الصحيحة بين الجديد والقديم، ولكنها في مصر - وطننا العزيز - معركة عنيفة في ضعف، شديدة في فتور، لا تسمو عن المهاترات الوضيعة والألفاظ النابية والمفارقات العجيبة، يريد الواحد أن يحط من قدر أخيه على جهل منه وصلف.

وأنت هنا لا تكاد تفرِّق بين المجدد والمحافظ إلا من أسماء خاوية تسمى بها البعض دون البعض الآخر، فليت شعري هل آن الأوان لأن تفقه السيارة المجددة أنها ستصاب - في وقت ما - بالعطب فيتقدم إليها الحمار في رزانة وهدوء ليقيلها من عثرتها وليكون لها عوناً وساعداً. أو أن يفهم حمارنا المحافظ أن من سماحة الطبع وسمو الخلق أن يهفو نحو غريمه - في ساعة الخطر - ليكون صاحب الشدة ورفيق العسرة؟

والمجدد هنا رجل لبس القبعة حيناً أو بعض حين وقرأ الكتب الغربية سنة أو بعض سنة وانكب على الثقافة الإفرنجية ردحاً من الزمان، ثم جاء يلوي لسانه برطانة بربرية ويملأ شدقيه بكلمات أعجمية على جهل منه بالغرب، لا ريب فهو قد عاش زماناً في بلاد الغرب ولكنه لم ينغمر في البيئة ولم يتغلغل إلى عاداتهم ولم يكشف عن أخلاقهم، فبدا فج العقل والعقيدة والفكر. وما به إلا أن يهدم تراث الشرق وهو تراث أقامته الأجيال العديدة على دعامات قوية ثابتة.

وداء هذه الأمة أنها تبذر - دائماً - في القبعة روح الغرور والكبر حين تفسح لها المكان المرموق، وحين تضعها في صدر الجماعة، وحين تهيئ لها مجلساً عالياً بين القادة والزعماء. والقبعة - لهذا - تتكلم وتخطب وتعلمِّ فتملأ قلوب الشباب من أبنائنا خلطاً وخرفاً، وتزين لهم - في أسلوب سياسي رقيق - أنّ يعقوا الدين والوطن اللغة، وتدفعهم - في مكر ولين - إلى الهاوية.

وأكبرهمِّ صاحب القبعة أن يعبث بصورة الوطن الحبيبة لتبدو شوهاء مبتورة تعافها النفس ويزدريها العقل، وأن ينقب عن النقائض يلصقها بأهله ثم يتحدث بها في طلاقه وإسهاب، وأن يأخذ نفسه بالبحث عن نواحي الضعف في بني وطنه فيذيعها في غير اكتراث ولا مبالاة. ثم ينكر علينا النبوغ والعبقرية والسمو، ويسمنا بالتقصير والخمول والتخاذل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>