وهو شاب في نحو الثلاثين من عمره، مهزول الجسم، أصفر الوجه، ينتعل نعلاً بالية، ويلبس ثياباً رثة، وعلى رأسه طربوش أسفله أسود، وأعلاه أحمر، وقد دفعه إلى الوراء ليظهر (قصته) من شعره، فرّعها فروعاً ورفعها إلى السماء لتناطح السحاب.
ينظر إليك بعين منتفخة كأنه قريب العهد - دائماً - بنوم طويل ثقيل، ويمشي متطرحاً كأن في رأسه - دائماً - فضلة خُمار، وعلى وجهه غبرة كأن الماء لم يمسه أبداً، أقوى شئ فيه لسانه في السباب، وصوته في النزاع.
ليس لفتح دكانه أو إغلاقه موعد ولا لعمله وراحته وقت محدد، يحلو له أحياناً أن يغلقه في الصباح ويفتحه في الظهر إذا بدأ الناس يقيلون، وأحياناً يسره أن يتركه مغلقاً طوال النهار ويفتحه ليلاً حيث يبدأ الناس في النوم، فيضئ مصباحه ويخرج عدده وأدواته في الشارع، ويأخذ في نجارته ما حلا له ذلك، فحيناً إلى الفجر، وحيناً إلى الصباح، تحاول أن تصده عن ذلك وتنصحه فيظهر الطاعة ثم يستمر في خطته؛ وأحياناً تنقلب دكانه في الليل حلبة الكميت، يتنادمون ويتشاربون حتى إذا تمشت الخمر في مفاصلهم، ودبت في عظامهم، ذهبت بهم كل مذهب، وأخذت منهم كل مأخذ. فتغنوا أحياناً، فوقع الغناء في نفوسهم أحسن موقع، وصاحوا جميعاً بصوت واحد: آه! ممدودة ما طاوعتهم أنفاسهم - وأحياناً يعدلون عن الغناء إلى تبادل النكات، ويعقبون كل نكتة بضحكة عالية تسر نفوسهم وتخرق آذان جيرانهم.
وإذا فتح الدكان نهاراً فمعرض غريب، لا لجودة المصنوعات ولا دقة المعروضات، ولكن لأصحاب الحاجات قد أتوا يطالبون بإنجاز أعمالهم، والشكوى من تأخير طلباتهم، ثم يصل الأمر في أغلب الأحيان إلى تدخل البوليس، وأحياناً يكون ما هو أدهى وأمر، إذ يكون قد سلم إليه صاحب حاجة دولابه أو كرسيه لإصلاحه فلم يجد دولابه ولا كرسيه، لأن الأسطى حسن اضطرته الحاجة الملحة فباعه وأضاع ثمنه.
وهكذا أصبح شارعنا بحمد الله معرضاً في النهار للسباب والمشاكل والخصومات