والبوليس، ومنتدى جميلاً ليلاً لأهل السماح الملاح، إلى الصباح.
وأخيراً عدت من عملي يوماً فرأيت الزحام شديداً على دكان الأسطى حسن، وإذا جلبة وضوضاء، وصياح يملأ الآذان؛ وإذا المنادي ينادي لبيع عدد النجارة وأدواتها:
منشار في حالة جيدة!
عشرة قروش - أحد عشر - إثنا عشر
ألاوونا - ألادو - ألاتريه
وهكذا حتى تم بيع كل ما في الدكان وفاءاً لكرائها خمسة شهور تأخرت على الأسطى حسن. وكان شعوري إذ ذاك مزيجاً من غبطة وألم، وحزن وفرح فقد آلمتني خاتمته، وأفرحني ما منيت به نفسي بعد ذلك من نوم هادئ سعيد.
ودعوت ربي جاهداً ألا يرغب في الدكان مستأجراً بعد، فإن كان ولابد فكواء أو عطار، لا نجار ولا بائع فراخ ولا مبيض نحاس، وقصرت شكواي على الله بعد أن جربت البوليس فوجدته لا يأبه لهذه السفاسف وليس له من الزمن، ما يلفته لهذه الصغائر.
ولكن أبى القدر أن يستجيب دعوتي - وكأن الدكان وقف على سكنى النجارين - فقد سكنها أيضاً هذه المرة نجار، ولكنه من صنف آخر - هو نجار رومي، لم أشعر بسكناه إلا بعد شهر، لأنه لم يكن في عمله شئ غير عادي، فهو يفتح دكانه وقت العمل ويغلقها عند الغروب، وينجر فتندمج أصوات دقاته ونجارته في أصوات البائعين وحركات المارين وأصوات السيارات.
دعوته يوماً لإصلاح دولاب، فإذا شاب يشترك مع الأسطى حسن في سنه، ويختلف عنه في كل شئ آخر، جميل الهندام وإن لم يكن ثمينه، صفف شعره في أناقة ولمعان بينما اعتنى الأسطى حسن (بقصته) فقط - عمل عمله في هدوء وإتقان، وكأنه يحترم نفسه ويحترم عمله، ويقدر نوع معيشته وما يلزم لها، فطلب ضعف ما كان يطلبه زميله فدفعته راضياً.
له في جوارنا ستة أشهر أو تزيد لم أسمع صوته، ولم أسمع شاكياً من تأخر موعد أو تصرف سيئ. ولم يقلق راحتي كما أقلقها من كان قبله، فهو وإن لم يكن كواء أو عطاراً كالذي رجوت فليس شراً منهما، وتبين بعد أن الأمر ليس نوع الصناعة، وإنما هو نوع