ولو استجاب لهما الكون فثبت الفلك، ووقف الزمان، لكانا أسعد سعيدين عرفتهما الأرض، ولكن هيهات. . . فالفلك دوار، والزمان سيار، والأيام لا تستقر على حال، ورب يوم يحمل محض السعادة، يتبعه يوم يحمل محض الشقاء، ورب فرح بالولادة والموت مترقب على بابه، ومسرور بالوصل والهجر متربص على أعتابه، ولو كشف للناس الغطاء لضحك باك، وبكى ضاحك، واستحالت مآتم أفراحاً وأفراح مآتم.
لقد غابا عن الدنيا في عناق لذ تهون معه الدنيا وما عليها، وتدنو به الآمال حتى لا مأمل بعده إلا أن يدوم، ولكن الدنيا لا يدوم فيها شيء.
لقد وقف هذا الطفل الجبار، الذي ولد بلا حمل، ونما بلا زمن، يعبث بهما، هذا الطفل الذي اسمه الحب. . . فلما شبع من العبث، نام، وترك الفتاة لشياطين اللهو والترف والغنى تلعب بها، كما تلعب بكل فتاة في الدنيا، نام في صدرها الحب أو شبع.
ولقد كانت تستطيع أن تجمع الحب والغنى، والعاطفة والمال، لولا أن هذا الطفل كان (على جبروته) أعمى لا يبصر، أمسك بيد ليلي فانقادت له وهي لا تشعر، ثم جرها وهو يتلمس طريقه في الظلام حتى إذا وقعت يده على أول رجل لقيه، عقد قلبها بقلبه، عقداً شيطانياً بلا شرع ولا عقل، وقال لها: هذا هو الحبيب.
وكان أول رجل لقيه هاني، هاني الذي لا يستطيع أن يصعد إليها ليعقد له عليها عقد الشريعة والعرف، ولا تقدر أن تنزل هي إليه، ولولا أن سيدي الشيخ رحمه الله أشفق عليه فحمله معه، ما علقت به ولا علق بها، ولا كان هذا القيد الذي ألقاهما معاً في جحيم الدنيا.
أفرأيت كيف يعلق القدر سعادة الناس وشقاءهم بأوعى الأسباب؟.
حكمة إلهية تخفى عن إفهام البشر!
هذا هو الحب: ثوب براق تحمله المرأة وتمشي حتى تلقى رجلاً، فتخلعه عليه فتراه به أجمل الناس، وتحسب أنه هو الذي كانت تبصر صورته من فرج الأحلام، وتراها من ثنايا الأماني.