للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مصباح في يد الرجل، يوجهه إلى أول امرأة يلقاها، فيراها مشرقة الوجه بين نساء لا تشرق بالنور وجوههن، فيحسبها خلقت من النور وخلقن من طين، فلا يطلب غيرها، ولا يهيم بسواها، لا يدري أنه هو الذي أضاء محيّاها بمصباح حبه.

خدعة ضخمة من خدع الحياة، خفيت عن المحبين كلهم من عهد آدم إلى هذا اليوم.

هذه هي حقيقة الحب، فلا تسمع ما يهذي به المحبون!

لقد قبضت ليلى على الحاضر، وهي عند الصخرة، واطمأنت عليه ففكرت في المستقبل، فقالت لهاني:

- ماذا تنتظر يا هاني! اذهب فاضرب في الأرض وعد إليّ غنياً قوياً، فاحملني معك إلى حيث تشاء.

- قال: كيف أفارقك يا ليلى؟ كيف أعيش بعيداً عنك وأنت حياتي؟ ولكن تعال نذهب معاً.

ولو سمعت هذه الكلمة قبل لحظات، قبل أن يشبع هذا (الطفل الجبار) وينام، لوثب قلبها إلى لسانها ليقول نعم، ولانطلقت معه إلى البحار لتخوضها، والجبال لتقطعها، ولكنها سمعتها والحب شبعان نائم، فقالت له:

وكيف نعيش يا هاني؟ ومن أين ننفق؟ أنام على بلاط الشارع؟.

وتصور هذا المصير الذي لا يرضاه لها، فذابت كبده رقة عليها، وقال لها:

- إذن أبقى معك، وأحتمل كل شيء من أجلك.

وسكتا، وتكلم في أذنها شيطان اللهو والترف، وغمز فؤادها فنظرت تحتها، فرأت أضواء تلمع في أوائل الليل تبدو من (عاليه) من بيت فارس أفندي طنوس الذي عاد إليها من أمريكا وفي جيبه نقد جديد لم يألفه أهلوها، وعلى جسده ثياب لم يلبسوها، وفي رأسه أفكار لم يعرفوها، ولمحت بريقاً وحركة فعلمت أنها حفلة من حفلاته الراقصة التي أرقصت أحاديثها صبايا الجبل وشبابه، وأغضبت مشايخه وكهوله، فاستطارت قلبها الرغبة في رؤيتها، وقالت:

- هذا ما أبتغي، هذا ما أريد، فتعال، تعال نرها من قريب وسحبته من يده وانطلقت به، يقفزان كغزالين روعهما الصياد، لا يشعران بقسوة الحجر، ولا بصعوبة المنحدر، ولا يبعد الطريق، حتى وصلا (عاليه) وكانت دار فارس أفندي التي بناها على الطراز الأمريكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>