أثار الأستاذ عبد المتعال الصعيدي في مقال له نشر في العدد ٧٣٢ من (الرسالة) مسألة الأخذ بـ (رأي الأكثرية في السياسة الشرعية) وهي مسألة تنطوي على مقارنة النظام الديمقراطي البرلماني الحديث مع النظام التشريعي والحكومي الإسلامي من ناحية الطبيعة والوضع والروح جميعاً، فأول ما يجب ان يلاحظ في هذا الصدد إن النظام الأوربي إنما هو وليد ظروف تختص بالمجتمع الغربي وغني عن القول ان المجتمع الغربي لا يبتنى على أساس غاية دينية تنسى المؤمنين بها والعاملين في سبيلها جميع الفوارق البشرية كالإقليمية والطائفية والوطنية والقومية وكذلك يعدم في أي مجتمع غير إسلامي مبادئ تضمن للناس العدالة في معاملاتهم بعضهم مع بعض وتكفيهم التناحر فيما بينهم لأغراض دنيوية، فإذا الاختلاف الناشئ بين أفراد المجتمع الغربي هو في الحقيقة اختلاف المصالح المادية بين مختلف طبقات الشعب التي لا تزال في حالة حرب مستمرة تبعث كل واحدة منها على حشد القوة (وهي ترتكز في العدد) ضد الأخرى، ومن المعروف إن النظام السياسي إنما يصطبغ بصبغة المجتمع الذي ينشأ منه، وعلى ذلك فالنظام الديمقراطي الحديث ليس إلا وسيلة لتسوية الاختلافات الناشئة عن الطموح إلى أغراض مادية لا تسوية حاسمة على أساس المبدأ والحق بل تسوية تمكن فريقاً من الشعب من إدارة الشؤون لصالح (زبائنه) فقط وكذلك يكون الحكم سجالاً بين مختلف أحزاب الشعب الذي لا يزال من حيث المجموع قلقاً غير مطمئن إلى التوازن والعدل الاجتماعي، أما المجتمع الإسلامي فبالعكس يبتنى على مبادئ يتلقاها الشعب من الله ويتعهد على نفسه كل فرد من الشعب على السواء بتطبيقها على أعماله وتنفيذها فيما بين الناس بما فيها من صالح الإنسانية وضمان الحق والنصفة في المعاش والمعيشة. فالمجتمع الإسلامي موحد الكلمة، موحد الإيمان بالمبادئ الحقة وفوق كل شيء موحد الشعور بالمسؤولية لدى العليم الحكيم في حق الأفراد ومجموع الأمة، فأي مجال في مجتمع مثل هذا أن ينقسم إلى أحزاب متعارضة الهوى في الدنيا وما فيها مغرضة متحيزة في نواياها وأعمالها؟ ولا يعدم المتتبع لأحكام القرآن والسنة ما يقنعه بان النظام الإسلامي السياسي إنما هو مؤسس على التعاون