لعل أبلغ معجزة للإسلام هي تلك السرعة التي وسِم بها انتشاره في رحاب المعمورة، حتى لقد خفق لواؤه في مدي قرن من الزمان على كثير من بلدان آسيا وإفريقيَّة، وتغلغلت شريعته وحبه والإيمان به في نفوس قوم درجوا على الشرك، وكانوا لا يألون جهداً - هم وأسلافهم من قبل - في صدِّ كل عادية عنه. ومن مظاهر هذه المعجزة إسلام التتر بعد أن كاد الإسلام أن يحتضر من خطبهم وتدميرهم، فلقد كانوا (المصيبة الكبرى التي عقّتِ الأيام والليالي عن مثلها، فأن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها) فإذا هم - بعد اعتناقهم إياه - من أكبر الذَّابين عن حياضه، المدافعين عن بيضته. ويذهب السير توماس أرنولد في تعليله لهذا الانتشار والسبق الذي اختُص به الإسلام دون غيره إلى ما أتَّسَمَت به العقيدة الإسلامية من بساطة لا تعقيد فيها، وإلى وحدانية الله، وإلى أن محمداً عبده ورسوله
لقد درج الإسلام في بلاد الحجاز، ثم ما لبث أن اتسعت رقعته وامتدت فتوحه شرقاً وغرباً فأصبحت العراق وفارس ومصر والشام وفلسطين وبلاد الخزر وإفريقية والنوبة والهند إمارات إسلامية قد انتقلت من الشرك والاضطهاد والنضوب الفكري إلى وحدانية مشرقة، وعدل أظل الجميع بفيئه، ونهضة اجتماعية وذهنية غيرت معالم الحياة بأسرها. ولا غرو فالإسلام في جوهره دين عقلي بأوسع ما تدل عليه هذه الكلمة من معنى
وتاريخ الإسلام في مبدئه هو تاريخ تلك الأقطار المفتوحة، وحسبنا في هذا البحث الموجز أن نرى مدى انتشاره في إيران وإن ذهب أهلها شيعاً وتباينوا عقائد
ويرتبط تاريخ إيران الإسلامية أيما ارتباط بهذه الجماعات التي كانت تفد عليها متاجرة أو مهاجرة من جهة، ومن جهة أخرى بتاريخ اللملوك والخانات الذين كان لبعضهم فضل الجهاد في سبيل نشر الدين، وإن وجدوا في كثير من الأحيان إقبالاً من الشعب نفسه يرجع في جرثومته إلى أسباب عدة ليس هذا مجال بحثها. كما أن بعض القواد لم يدخر وسعاً في سبيل نشر الإسلام فكان ابن القاسم فاتح بلاد الهند داعيةً من دعاته، وأحد الحريصين على بث مبادئه العاملين على بسط نفوذه، فلقد عرض على أمراء الهنود اعتناقه، ولم يكن الطمع في الغنيمة فحسب هو الدافع للجند العرب المسلمين على الاستبسال ولاستماتة في هذه