رأينا في الكلمة الأخيرة أن الأستاذ العلامة ليفي برهل - يرى في كتابه (الأخلاق وعلم العادات أن الأخلاق ترجع أولاً إلى علم العادات الذي مرجعه استقراء التاريخ وملاحظة الحاضر، ثم يتداخل فيها النظر العقلي لتعديل ما يجب تعديله من الظواهر الأخلاقية والاجتماعية. هذا هو ملخص ما يدعو إليه. فما الرأي فيه؟
لا ريب أن هناك فائدة كبيرة من علم العادات الذي يشير باستيحائه. لأن النظريات والأفكار الأخلاقية التي تعاقبت على الزمن هي وليدة المجتمعات، وإذا ليكن من الواجب دراستها أولاً بالعقل العملي الدقيق. ولكن لا ينبغي أن نستنتج من هذا أن علم العادات يختلط من الناحية العميقة بالأخلاق بحال من الأحوال
يقفنا التاريخ على أن كثيراً من أرباب الضمائر العالية عورضوا في أيامهم بآراء أخلاقية تقليدية كانت ضد مثلهم العليا، إلا أن المستقبل كان يحكم دائماً لهم، وإذا تكون ضمائرهم الشخصية سبقت الضمير الاجتماعي المستقبل وأعدته لما أرادوا له، وإذاً يكون من الممكن والواقع أن الخلقية تقوم على قتال النظريات الأخلاقية والعادات الاجتماعية التي توجد في زمنها. هاهي ذي أخلاق (بوذا) لم تكن متفقة مع عادات الهند البرهمية في القرن السادس قبل الميلاد، كما لا تتفق الأخلاق التي جاء بها أنبياء بني إسرائيل وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام مع عادات الأمم والشعوب التي بعثوا فيها ولها.
لا يقول لنا علم العادات كيف نختار عندما تتعارض المثل العليا للثورات الأخلاقية مع الآراء والحقائق الاجتماعية التي توجد معها! لننظر مثلاً للحرب، نجدها تكشف حقيقة اجتماعية لا شك فيها؛ هي تسيطر العواطف والمشاعر الحربية على جميع الشعوب، ومع ذلك لا يرضى أحد أن يرفض مثالاً أعلى هو السلام العالمي متى وجد لذلك سبيلاً. وبعبارة أخرى إن تحقق أية حقيقة ولو اجتماعية لا يلزم المرء بالانحناء أمامها واعتبارها مبدأ