كلمة الرسالة من الكلمات التي يستشهد بها على تطور الكلمات في معانيها ودلالاتها على حسب أحوال الزمن ومناسباته، فالرسالة مكتوب يرسل من إنسان إلى إنسان، والرسالة دعوة دينية يؤديها رسول من الله، والرسالة مهمة من مهام الإصلاح والإرشاد، والرسالة في المصطلح الحديث كتاب صغير في بحث وجيز، والرسالة اسم هذه المجلة التي تجمع بين هذه الدلالات ما عدا الرسالة السماوية التي يختص الرسل من الأنبياء.
وربما كان أصل الكلمة كلها من مادة (الرسل) بمعنى اللبن إذ يفيض سهلاً من الأثداء، ثم استعملت للخصب والسهولة والانطلاق الرخي الذي لا تعويق فيه، ثم كان إرسال الشيء عامة هو نقله من مكان إلى مكان في رفق ولين. ثم كان الإرسال لكل تحريك رقيق أو عنيف ورخي أو شديد.
وهكذا تتطور الكلمات في اللغة العربية وتبقى أصولها كما تبقى معانيها المجازية وهي تتحول مع الزمان وتحولنا معها وإن أبينا عليها التحويل.
والرسائل التي نعنيها في هذا المقال هي المكاتيب بين الآحاد وهي أيضاً قد تحولت مع الزمن وتطورت مع مستحدثاته السابقة واللاحقة، ومنها تعميم الكتابة وتنظيم البريد وشيوع المطبعة على التخصيص.
فانتشار التعليم مع انتظام البريد قد جعل الرسالة كثيرة الأغراض يكتبها العامي الجاهل كما يكتبها الأديب المطلع، وتكتب في الشئون اليومية كما تكتب في الشئون الإنسانية الباقية. فليست كتابتها اليوم موضع احتفاء وتنميق كما كانت يوم كان كتابها جميعاً من العلماء والأدباء. وكانت - لصعوبة انتظام البريد - تدخر للموضوعات النادرة والأساليب الأدبية أو الأساليب التي تلاحظ في مخاطبات الدول والرؤساء.
وشيوع المطبعة قد جعل الطبع وسيلة لنشر المؤلفات العلمية والمصنفات الأدبية. فأصبحت الرسالة الخصوصية كالملابس الخصوصية في قلة الاحتفاء والعناية، وكادت العناية أن تقتصر على الموضوعات التي تذاع وتشاع، خلافاً لما كان في عصور الأمية ونقل الكتب بالأيدي في نسخ معدودات.