للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - دعوة محمد]

لتوماس كارليل

للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ

دين القوة والعدل

لقد اتهم كثيرون الدين الإسلامي بالشهوانية والدعوة إلى الاستكانة والخلود إلى الكسل، ولكني أرى أن كل ما كتب في هذا الموضوع وكل ما قيل فيه إنما هو جور وظلم لا يقبلهما منصف ولا يقرهما عاقل، فإن ما أباحه الإسلام مما تحرمه النصرانية، لم يكن من عند محمد وإنما كان متبعا لدى العرب جاريا عندهم من قديم الزمان. وكل ما عمله الإسلام أنه أراد أن يقلل من عادات العرب المستهجنة جهد استطاعته، وجعل عليها من الحدود والأحكام مما جعل الدين الإسلامي ليس سهلا هينا كما يدعي أولئك الحاقدون.

وكيف يكون الإسلام دينا هينا وفيه من القواعد الصعبة التي تربي المسلمين على الطاعة والنظام والنظافة والأخذ بأسباب القوة والمتعة؟ إن دينا فيه الوضوء وإقامة الصلاة خمس مرات في اليوم والصوم شهرا كاملا كل سنة، وتحريم الخمر والميسر والزنا وأكل أموال اليتامى وغير ذلك، لا يكون إلا دينا يعمل لخير البشرية جمعاء. وإن دخول الناس في الإسلام أفواجا، وإقبالهم عليه، لم يكن كما يدعون، لسهولته ويسره وقلة تكاليفه، لأنه من أفحش الطعن على بني البشر والقدح في عقولهم وذم أعمالهم، أن يتهموا بأن السبب في محاولتهم القيام بجلائل الأعمال والإتيان بعظائم الأمور، هو الراحة والدعة والإخلاد إلى الهدوء، والتماس الجانب اللذيذ من الحياة الدنيا والتمتع بما في الآخرة بأيسر السبل، فإن أي آدمي لا يخلو من العظمة ومحاولة الوصول إلى جلائل الأعمال.

فنحن نجد الرجل المقاتل الذي يؤجر روحه ويمينه بأبخس الأجر، يتمسك بالشرف والرفعة ولا ينفك يقول: لأفعلن ذلك وشرفي. ولن نجد آدميا مهما كان وضيعا يقبل أن يكون كل همه من الحياة ملء جوفه بالطعام، ولكنا نجده يحاول دائما أن يأتي بأعمال شريفة يذكر بها ليثبت للناس أنه يستحق الحياة، وأنه ليس أقل من سواه من بني البشر. وما أشد تعس الذين يرمون الإنسان بأنه ميال بفطرته إلى الراحة والدعة وأنه يحب الترف ويستكين إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>