للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللذة، وفاتهم أن الذي يجذب الإنسان ويستهويه إنما هي الأهوال والصعاب والقتل والاستشهاد. ومن أراد دليلا على قولي هذا، فليعمد إلى أبلد إنسان ويرشده إلى سبيل المكرمات والمحامد، فإنه لا يلبث أن يراه وقد اتقدت نفسه غيرة وتأجج قلبه حماسة، بل وإنه سيصبح بطلا عظيما. وما علينا إلا أن نقدح ما بنفس المرء من زناد الفضل فإنه لا بد وأن تشتعل نفسه نارا تحرق ما فيه من أوشاب ونقائص.

فمن الخطأ الفاحش أن نعتقد أن اعتناق الناس لدين من الأديان، عما يجدون فيه من يسر ودعة ومتاع ولذة، ولكنهم يدخلونه لما يثير في قلوبهم من عوامل الشرف والعظمة، ولما يبعث في نفوسهم من دواعي المجد والبطولة، والإسلام على الخصوص، ليس كما يتهمه خصومه دين راحة ودعة واستكانة ورضى بأي الحياة تكون، ولكنه دين عزة ومتعة ودين تربية وقوة، ودين شرف وفضيلة. وليس أدل على ذلك من سرعة انتشاره في أكثر بقاع الأرض في أقل من قرن من الزمان، صار العرب فيه سادة العالم وأساتذته.

وهذا ما للإسلام من مزايا وخلال عظيمة لا توجد - كما قلت - في دين غيره. وإن أشرف هذه المزايا وأجلها هي مساواته بين الناس، وهذه أكبر دليل على صواب الرأي وصدق النظر فالناس في الإسلام سواء لا يفضل أحدهم غيره إلا بالتقوى والعمل النافع (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، (الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لابن البيضاء على ابن السوداء إلا بالتقوى والعمل).

ومن خلاله الحميدة، أنه لا يقتصر على جعل الصدقة سنة محبوبة بل جعلها فرضا على كل مسلم، وأنها إحدى قواعد الإسلام الخمس وقرنها بالصلاة (وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) وجعلها جزءا مقدرا من مال المسلم الذي يستطيع إخراجها، توزع على الفقراء والمساكين وغيرهم ممن هم في حاجة إلى العون والمساعدة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).

ما هذا؟ أنه صوت الإنسانية الطاهرة الكبيرة. أنه نداء الرحمة والإخاء والمساواة يخرج من ذلك القلب الكبير قلب ابن الصحراء، يحث الناس أن يواسي أغنياؤهم فقراءهم ويقول لهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>