كتب الأستاذ العقاد في العدد ٤٧٦ من (الرسالة) تحت عنوان (مساجلات) يقول: (نبهت إلي كلمة لأديب يكتب في (الثقافة) بتوقيع (محمد مندور) قال فيها عني بصدد الكلام عن أبي العلاء ورسالة الغفران: (والعقاد يبدأ فيؤكد - فيما يعلم - أن فكرة أبي العلاء في هذه الرحلة إلى العالم الآخر لم يسبقه إليه أحد غير (لوسيان) في محاوراته في الأولمب والهاوية؛ وهذا قول عجيب يدخل في سلسلة تأكيدات الأستاذ العقاد التي لا حصر لها في كل ما كتب، والتي كثيراً ما تدهشنا لجرأتها، ففكرة الرحلة إلى العالم الآخر قديمة قدم الإنسان: عرفها اليونان قبل لوسيان، وعرفها العرب قبل أبي العلاء).
وأنا أحمد الله إذ نبه الأستاذ إلى كلمة محمد مندور هذا، فالعقاد رجل لديه ما يشغله عن (الثقافة) وعن محمد مندور، وهو منهمك في قراءة أمُّهات كتب الأدب التي وجد فيها أن (فكرة أبي العلاء في هذه الرحلة إلى العالم الآخر لم يسبقه إليها أحد غير لوسيان في محاوراته)؛ فأنى له بقراءة (الثقافة)، وما هي بشيء إلى جوار عيون الأدب؟ ومن هو محمد مندور، ليقرأ له وهو مأخوذ بسحر لوسيان؟
و (محمد مندور) يسره أن ينبه العقاد قبل أن يبدأ في مناقشته إلى تتمة جملته كما هي بالثقافة عدد ١٧٦ (والكل يعلم ما في أساطير اليونان من وصف لنزول أورفيوس إلى العالم الآخر ليسترد منه زوجه أوريديس؛ والكل يعلم وصف هوميروس لرحلة أوليس، ووصف فرجيلوس شاعر الإلياذة لرحلة أينوس بذلك العالم، كما نعلم جميعاً أشعار المتصوفة في أحلام يقظتهم ونومهم، ومن تلك الرحلات الرائع الجميل كوصف الحارث بن أسد المحاسبي في (التوهم) الذي نشره المستشرق آبري وصدر له الأستاذ أحمد بك أمين؛ وفي عصر مقارب لعصر أبي العلاء كتب أبن شهيد رسالة التوابع والزوابع المنشورة بكتاب (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)(ج١ ص٢١٠) وهي شديدة الشبه برسالة الغفران؛ ومع ذلك يؤكد العقاد أن فكرة رسالة الغفران لم يسبق أبا العلاء إليها غير لوسيان)
وهذا فيما أظن كلام لا يستطيع العقاد ولا غير العقاد أن يدفعه، فهو يؤكد أن أدبياً لم يسبق