للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معركة إنسانية خالدة]

في أفريقيا الشمالية العربية

للأستاذ توفيق محمد الشاوي

لا شك في أن جهاد العرب والمسلمين في سبيل حريتهم وسيادتهم ضد الاستعمار الأوربي في هذا العصر هو معركة من أروع معارك التاريخ وأبقاها أثرا، لا لأنها معركة عنيفة جبارة يصلى نارها ملايين من البشر، ويمتد ميدانها إلى جميع أنحاء الوطن العربي الإسلامي فحسب، ولكن لأنها معركة فذة في أسلحتها، خطيرة في نتائجها وأثارها. أما أسلحة المستعمرين فهي أسلحة فتاكة مادية، لا تقتصر على الجيوش وسلاحها الذي يقتل الأمنيين المسالمين قبل المجاهدين المحاربين، ولكنها تشمل (السياسة) بما تستخدمه من أحط الوسائل في محاربة أخلاق الأمة بالفساد والانحلال، ووحدتها بالتفريق والشقاق، وشجاعتها بالقتل والنفي والسجن والتجويع، وإنسانيتها بمصادرة الحريات وسلب الحقوق وانتهاك الحرمات. وأما هدفهم، فهو السلب المنظم والسرقة الصريحة باسم التعمير والاستقلال، والهدم والإفناء باسم (التمدين) و (الإنشاء).

أما الجانب المشرق في هذه المعركة الخالدة فهو جهاد لعرب والمسلمين وثباتهم في ميدان الشرف والكفاح في سبيل أسمى غاية، في سبيل الحرية الإنسانية وحقوقهم الطبيعية، وفي سبيل المبادئ الإنسانية السامية التي تكفل لهم حقوقهم وحرياتهم. وسلاحنا في ذلك الكفاح هو قوميتنا ومثلنا الروحية العليا التي عوضت عن أسلحتهم المادية أسلحة روحية سامية، هي الإيمان بالحق الذي نكافح من اجله، وحب الموت والتضحية في سبيله، واحتقار للحياة المادية الشهوانية التي تستسيغ الذلة والعبودية، أسلحة قوية سيكون لها النصر برغم طول الكفاح، وشدة البلاء، وكثرة التضحيات.

تأمل هذه الحقائق ناطقة في معركة أفريقيا الشمالية بين العرب والمستعمرين من الفرنسيين والأسبانيين والإيطاليين وأشباههم، وخاصة في الجزائر وشقيقاتها حيث يتكلم الفرنسيون عن (مشكلة) أفريقيا الشمالية، وكلمة (مشكلة) إنما تدل على أزمة حادة تصيب سياستهم الاستعمارية وفشل خطير يهددها، فما الذي أصابهم بهذا الفشل ورماهم بتلك الأزمة؟ لقد صرح أحد زعمائهم في الجمعية الاستشارية بالحقيقة مستورة ملفوفة حين قال (إن مجهود

<<  <  ج:
ص:  >  >>