ترجمة الأساتذة عبد الفتاح السرنجاوي، عمر الدسوقي، عبد
العزيز عبد المجيد
انتشار الإسلام في الأمم المسيحية في غرب أسيا
بعد وفاة محمد (ص)، وجه أبو بكر الحملة التي قصد الرسول إرسالها قبل وفاته، إلى بلاد الشام، بالرغم من الاعتراض الذي أعلنه بعض المسلمين لأن أحوال الجزيرة كانت في اضطراب. ولقد أسكت أبو بكر كل معترض على ذلك بقوله:(لن أبطل أي أمر قرره الرسول. ولو كانت المدينة فريسة للوحوش الضارية فلابد أن تنفِّذ الحملة رغبات محمد). تلك كانت أولى الحملات المتتابعة العجيبة التي اكتسح بها المسلمون الشام، وفارس، وشمال أفريقيا، محطمين أركان دولة الفرس القديمة، ومكتسبين من إمبراطورية الروم بعض أقطارها الخصبة الغنية. وليس الغرض من هذا الكتاب أن نتتبع تاريخ هذه الحملات والوقائع المختلفة، ولكن لما كانت غايتنا أن نشرح كيف انتشر الإسلام عقب الفتوحات العربية كان من المهم أن نميط اللثام عن الظروف والعوامل التي مكنت الإسلام من الانتشار.
ولقد ضمن أحد ثقاة المؤرخين المسألة التي نحن بصددها الآن العبارة الآتية: (أكان ذلك الحماس الديني الحقيقي نتيجة لتلك العقيدة القوية الطاهرة المترعرة في بكورتها، والتي جعلت جنود العرب ينتصرون في كل موقعة، ويؤسسون في مدة قصيرة أكبر إمبراطورية شهدها العالم؟ إننا في حاجة إلى برهان لإثبات ذلك: لقد كان قليلاً جداً عدد أولئك الذين اتبعوا الرسول وتعاليمه طواعية، وبإخلاص من أعماق قلوبهم. أما العدد الأكبر فهم أولئك الذين أدخلوا في صفوف المسلمين كرهاً أو رغبة في متاع الدنيا. وهاهو ذا خالد - سيف سيوف الله - أوضح مثال لطريقة القوة الممتزجة بالإقناع التي أتبعت معه ومع كثيرين من القرشيين لكي يعتنقوا الإسلام. ولقد قال هو فيهم حينئذ: إن الله قد قبض عليهم من أفئدتهم وشعورهم وساقهم لإتباع الرسول. ولقد كان أيضاً لروح الافتخار بالقومية العربية المشتركة