أثر قوى تلك الروح التي كانت أقوى عند العرب في ذلك الوقت منها في الغالب عند أية أمة أخرى؛ وتلك الروح وحدها هي التي حدت بالآلاف منهم أن يؤثروا واحداً من بني جلدتهم ودينه على أي مصلح أجنبي عنهم. وأقوى من هذا وذاك ما رغبهم فيه الرسول (ص) من غنى مؤكد باكتسابهم الغنائم الوافرة في الجهاد للدين الجديد، ومن استبدال الأقاليم الخصبة المثرية: كفارس والشام ومصر بصحرائهم المجدبة العارية التي تجود عليهم بالكفاف فقط.
وفي الحقيقة لم تكن تلك الفتوحات الرائعة التي وضعت حجر الأساس للإمبراطورية العربية نتيجة للجهاد والحروب الدينية التي أوقدت نيرانها لنشر الإسلام. ولكن تبع هذه الفتوحات ضعف عظيم في العقيدة الدينية المسيحية، ذلك الضعف الذي ظن أنه الغاية المقصودة من هذه الفتوح. وهكذا اعتبر المؤرخون المسيحيون السيف الآلة التي اتخذها المسلمون للدعاية لدينهم. وغطى ذلك النجاح المعزو إلى السيف على الأدلة التي تشير إلى نشاط التبشير الإسلامي الصحيح بطريق سليمة. ولم تكن الروح التي خلقت الحماس في الجنود من العرب الذين اكتسحوا أطراف الإمبراطورية البيزنطية، والإمبراطورية الإيرانية، روح تبشير لإدخال الجاحدين في الإسلام. بل الأمر على عكس ذلك، إذ يظهر أن المصلحة الدينية لم تتمثل إلا قليلاً في تفكير القادة للجيوش العربية
إن انتشار الجنس العربي ليتضح بحق في هجرة تلك القبائل القوية النشطة، ساقها الجوع والعوز إلى ترك الصحراء الكزة، والانتشار في أقاليم أكثر خصوبة، في تلك الأقاليم التي يقطنها السعداء.
وبعد، فلقد كان تأسيس الحكومة الدينية في المدينة العامل الذي خلق الوحدة في تلك الحركة (حركة الفتح والتبشير) وكذلك كان عاملاً على الوحدة نظامُ الأمة الحديثة الذي بدأه أصحاب الرسول المخلصون، والحجج الثقاة الذين اضطلعوا بتعاليمه أولئك الذين حفظت متانةُ خلقهم وحماُسهم الإسلامَ حياً، ودينا رسميا، وذلك بالرغم من عدم اكتراث أولئك العرب الذين انتسبوا إلى الدين ولما يدخل الإيمان في قلوبهم
وإذاً فلا يجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي دعت إلى انتشار الدين الإسلامي بتلك السرعة، في حوادث الجنود الفاتحة، ولكن الأولى أن نبحث عن هذه الأسباب في الأحوال